تركي المصطفى
في لحظةٍ تحمل في طياتها دلالاتٍ سياسية وثقافية عميقة، وقف الأمير فيصل بن فرحان، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، إماماً للمصلين في الجامع الأموي الكبير بدمشق، يؤمّهم في صلاتي الظهر والعصر. هذا المشهد، الذي جرى يوم السبت خلال زيارةٍ رسميةٍ يقودها الوزير على رأس وفدٍ اقتصادي رفيع المستوى، لم يكن مجرد حدثٍ عابر، بل رمزٌ لتقاربٍ جديد بين الرياض ودمشق، يحمل في طياته إشاراتٍ إلى إعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة.
الجامع الأموي، هذا الصرح التاريخي الذي شهد قروناً من التحولات السياسية والدينية، كان مسرحاً لهذا الحدث اللافت. دخل الأمير فيصل، برفقة وزير الخارجية السوري، المسجد وسط ترحيبٍ رسمي، ليتقدم الصفوف في لحظةٍ أثارت تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي. مقاطع الفيديو التي وثّقت هذا المشهد، والتي بثتها قناة "الإخبارية" السعودية ووكالة "سانا" السورية، أظهرت الوزير وهو يؤم مسؤولين سوريين وأعضاء الوفد السعودي، في مشهدٍ بدا كأنه يعكس توجهاً جديداً نحو إعادة بناء جسور التعاون بين البلدين.
لماذا أمّ الوزير المصلين؟
إمامة الأمير فيصل بن فرحان للصلاة ليست مجرد فعلٍ ديني، بل تحمل أبعاداً رمزية وسياسية. أولاً، اختيار الجامع الأموي، الذي يُعدّ رمزاً للهوية الإسلامية والعربية، يعكس رغبة الرياض في إبراز دورها كقوةٍ إقليمية ذات ثقل ديني وثقافي. ثانياً، هذا الفعل يُظهر تواضعاً دبلوماسيا، حيث يضع الوزير نفسه في موقع الإمام الذي يخدم المصلين، مما يعزز صورة المملكة كدولةٍ تسعى للتقارب مع الشعب السوري، وليس فقط مع قيادته السياسية. ثالثاً، الإمامة في مثل هذا السياق تعدّ رسالة موجهة إلى الداخل السعودي والخارج العربي، تؤكد التزام المملكة بدعم استقرار سوريا بعد سنواتٍ من القطيعة.
على صعيدٍ آخر، يمكن قراءة هذا الحدث كجزءٍ من استراتيجية سعودية أوسع لإعادة تموضعها في المنطقة. فبعد سنواتٍ من التوترات الإقليمية، تسعى الرياض إلى استعادة نفوذها في سوريا، لا سيما في سياق الديناميكيات الإقليمية، وترى في إعادة العلاقات مع سوريا فرصةً لتحقيق توازن جديد في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي. وإمامة الوزير للصلاة، إذن، ليست مجرد لحظة روحية، بل جزءٌ من سردية دبلوماسية أوسع تهدف إلى ترسيخ صورة المملكة كقوة إقليمية تجمع بين القوة السياسية والاقتصادية والرمزية الدينية.