تركي المصطفى
في خطوة حملت في طياتها مفارقات السياسة الأوروبية، أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم أمس الأربعاء، عن رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت تثقل كاهل سوريا، في قرار بدا وكأنه يفتح صفحة جديدة في علاقة الغرب بهذا البلد الممزق. لكن، كما هي العادة في مسرح السياسة الدولية، لم يأتِ هذا القرار خالياً من تعقيداته. فقد تزامن مع فرض عقوبات جديدة تستهدف قياديين وكيانات عسكرية، يُنظر إليها – في نظر بروكسل – كجزء من البنية العسكرية الجديدة التي تتشكل في سوريا، على خلفية أحداث العنف التي هزت المنطقة الساحلية في آذار 2025.
القرار الأوروبي، كما ورد في بيان المجلس الأوروبي، يرفع القيود الاقتصادية عن سوريا، باستثناء تلك المرتبطة بدواعٍ أمنية. هذا التحول، الذي يشمل رفع الحظر عن 24 كياناً، بما فيها مصرف سوريا المركزي وشركات حيوية في قطاعات النفط، القطن، والاتصالات، يحمل في ظاهره إشارة إلى رغبة أوروبية في إنعاش الاقتصاد السوري المنهك. لكنه، في باطنه، يعكس حسابات دقيقة تتعلق بالتوازن بين دعم الاستقرار الاقتصادي والحفاظ على مبدأ المساءلة. ففي الوقت الذي فتحت فيه أوروبا الباب أمام إعادة إحياء الاقتصاد السوري، أبقت على عقوبات تستهدف أفراداً وكيانات ارتبطت بنظام الأسد، ممددة هذه العقوبات حتى منتصف عام 2026.
لكن جوهر القرار يكمن في استهداف أحداث العنف الأخيرة في الساحل السوري. فقد فرض الاتحاد الأوروبي، تحت مظلة نظامه العالمي لحقوق الإنسان، عقوبات على قائدي "لواء السلطان سليمان شاه" و"فرقة الحمزة"، محمد حسين جاسم (أبو عمشة) وسيف بولاد أبو بكر، إلى جانب فصيل "السلطان مراد". هذه الكيانات، التي اتهمت بارتكاب انتهاكات خطيرة بحق المدنيين، خاصة الطائفة العلوية، خلال أحداث آذار 2025، أصبحت رمزاً للتحديات التي تواجهها سوريا في مرحلة انتقالية غامضة. فالأعمال التي نسبت إليها، من قتل تعسفي وتعذيب إلى تهجير قسري وابتزاز، تعكس عمق الأزمة الأخلاقية والسياسية التي لا تزال تعصف بالبلاد.
هذه الخطوة الأوروبية ليست مجرد قرار إداري، بل هي تعبير عن رؤية استراتيجية. ففي رفع العقوبات الاقتصادية، تسعى أوروبا إلى تمهيد الطريق لإعادة إعمار سوريا، لكنها، في الوقت ذاته، تحرص على إرسال رسالة واضحة: لا مكان للإفلات من العقاب. إنها محاولة للتوفيق بين دعم الاستقرار وفرض العدالة، بين فتح أبواب الاقتصاد وإغلاق نوافذ الانتهاكات. لكن السؤال الذي يظل معلقاً هو: هل ستنجح هذه السياسة المزدوجة في تحقيق توازنها المرجو، أم أنها ستغرق في تعقيدات الواقع السوري؟