"روسيا وصراع الروايات: كيف يستغل لافروف التوترات الطائفية في سوريا؟" - It's Over 9000!

"روسيا وصراع الروايات: كيف يستغل لافروف التوترات الطائفية في سوريا؟"

تركي المصطفى

في قلب الأزمة السورية، حيث تتداخل خيوط السياسة الدولية مع تعقيدات الانقسامات المحلية، أطلق وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اتهامات بالغة الخطورة ضد الحكومة الانتقالية السورية، متهما إياها بممارسة "تطهير عرقي وطائفي" في غرب سوريا. هذه الاتهامات، التي بدت كأنها صدى لرواية متعمدة، لم تكن مجرد تصريحات دبلوماسية عابرة، بل جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض شرعية الحكومة الانتقالية ودعم تمرد الفصائل العلوية الموالية لنظام الأسد السابق. لافروف، في خطابه، استحضر صورة مروعة لـ "جماعات مسلحة متطرفة" تنفذ عمليات قتل جماعي على أسس عرقية ودينية، مدعياً أن الغرب يغمض عينيه عن هذه الجرائم طالما أنها لا تتعارض مع أجندته العالمية. لكن، وراء هذا الخطاب المحمَّل بالرمزية، تكمن حقائق أكثر تعقيدا.

في مارس 2025، شهد الساحل السوري موجة من العنف الطائفي، حيث سعت ميليشيات متمردة علوية، مثل "لواء درع الساحل"، إلى استغلال الفوضى لإثارة ردود فعل انتقامية، بهدف إحراج الحكومة الانتقالية وتأليب الرأي العام الدولي ضدها. لافروف، في تصريحاته، تضخيم هذه الأحداث، مشيرا إلى أرقام مبالغ فيها عن الضحايا – 1500 قتيل، وفقا لوسائل الإعلام الروسية – بينما سجلت منظمات حقوق الإنسان السورية نصف هذا العدد تقريبا. هذا التضخيم لم يكن عفويا، بل كان محاولة لرسم صورة كارثية تبرر التدخل الروسي وتدعم رواية "التطهير" التي تخدم أهداف الفصائل الموالية للأسد.

لكن الحقيقة، كما تكشفها التفاصيل، أكثر إرباكا. العنف في الساحل السوري، رغم فظاعته، لم يكن منهجيا كما يزعم لافروف. الحكومة الانتقالية، التي كانت لا تزال تكافح لفرض سيطرتها على الفصائل المسلحة المتعددة داخل وزارة الدفاع، وجدت نفسها أمام تحد هائل: كيف توازن بين احتواء التمرد العلوي ومنع الانزلاق إلى فوضى طائفية شاملة؟ استجابت الحكومة بخطوات ملموسة، منها سحب الوحدات العسكرية المتورطة في أعمال العنف وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة. لكن هذه الجهود، رغم أهميتها، لم ترقَ بعد إلى مستوى محاسبة الجناة بشكل فعّال، مما ترك الباب مفتوحاً أمام استمرار التوترات.

في سياق آخر، وفي تطور لافت في 20 مايو 2025، تعرضت القاعدة الجوية الروسية في حميميم، بمحافظة اللاذقية، لهجوم من مجموعة مسلحة غامضة. هذا الهجوم، الذي أسفر عن مقتل جنديين روسيين وثلاثة من المهاجمين، أثار تساؤلات حول دوافعه وأطرافه. مصادر روسية سارعت إلى اتهام "مقاتلين أجانب أوزبك"، بينما أشارت مصادر سورية لاحقا إلى أن المهاجمين كانوا من المدربين العسكريين التابعين لهيئة تحرير الشام، وتصرفوا دون أوامر مباشرة. هذه الروايات المتضاربة تعكس تعقيد المشهد العسكري في سوريا، حيث تتداخل ولاءات الفصائل المحلية مع وجود مقاتلين أجانب من آسيا الوسطى والقوقاز، ممن يشكلون جزءاً لا يتجزأ من هيكلية هيئة تحرير الشام.

هذا الهجوم، رغم محدوديته، يحمل في طياته دلالات أعمق. فمن غير المرجح أن تكون الحكومة الانتقالية قد أقدمت على مثل هذا العمل، خاصة في ظل مفاوضاتها المستمرة مع روسيا حول التعاون الاقتصادي والعسكري. لكن وجود مقاتلين أجانب، مثل أولئك المنتمين إلى كتيبة التوحيد والجهاد أو الحزب الإسلامي التركستاني، يثير تساؤلات حول مدى سيطرة هيئة تحرير الشام على عناصرها، وما إذا كانت هذه الفصائل قادرة على العمل بشكل مستقل، أم أنها تظل تحت مظلة قيادة موحدة.

في النهاية، يبقى المشهد السوري ساحة لصراعات متعددة الأوجه: صراع على السلطة، صراع على الرواية، وصراع على تحديد المستقبل. اتهامات لافروف، وإن بدت مكثفة في خطابها، تعكس محاولة روسية لاستعادة نفوذها في سوريا من خلال استغلال الانقسامات الطائفية. لكن الحقيقة، كما دائما، أكثر تعقيدا من الشعارات، وتتطلب قراءة متأنية للتوازنات التي تحكم هذا البلد الممزق.


مقالات ذات صلة

"سوريا بين عقيدة البعث وممارسة الطائفية: رؤية في الانحطاط الوطني"

بحث سوري يبرز في المؤتمر الدولي للأكاديميين الشباب بجامعة ماردين آرتقلو

سوريا الجديدة: بين مطرقة الاحتلال وسندان الاستقرار

تحت غطاء نسائي وبوثائق مزورة.. إيران تعيد تشكيل نفوذها شرقي سوريا عبر المخدرات

واشنطن تعمل على وضع سياسة جديدة بشأن سوريا

الرئيس الشرع يعتزم زيارة الإمارات قريبا

//