بحث

لاريجاني في بيروت.. مرثية الإمبراطورية الإيرانية المتهالكة

تركي المصطفى 
عندما تطأ قدما علي لاريجاني - رجل النظام الإيراني المحنّك - أرض مطار رفيق الحريري، فإنما تطأها إيران بحثا عن شظايا إمبراطوريتها المتهالكة في المشرق، الزيارة التي رُوّجت كـ "دعم للأخوة اللبنانيين" هي في حقيقة الأمر صفارة إنذار: طهران تخشى أن ينهار آخر جسرين لها في المتوسط - حزب الله ونظام العراق.
في الخامس من آب/أغسطس، أقرّت الحكومة اللبنانية خطة تاريخية: تسليم احتكار السلاح للجيش اللبناني، وبعد يومين فقط، وافقت على المطالب الأمريكية بنزع سلاح "حزب الله".
والمفارقة الأكثر قسوة: قرار أمريكي-إسرائيلي في 13 آب (يوم زيارة لاريجاني!) بتوسيع صلاحيات "اليونيفيل" لتنفيذ مداهمات واعتقالات في معاقل الحزب - وهي قوة ظلّت لعقود "ديكورا تحت سيطرة حزب الله".
في اليوم ذاته، اجتمع الضيف الإيراني بـ "المثلث الحاكم": جوزيف عون (رئيس الجمهورية يدعم نزع السلاح). نواف سلام (رئيس وزراء يقود حملة التطهير). نبيه بري (رئيس مجلس النواب حليف الحزب الوحيد الباقي).
مصادر مقرّبة من بعثة لاريجاني تؤكد أنه طلب "وقف خطة نزع السلاح" عبر ضغط غير مباشر على المعارضين، بينما صرح محلل إيراني موال: "الزيارة تهدف لمنع انهيار ميزان القوى الداخلي لصالح خصوم إيران".
أمام الكاميرات، أعاد لاريجاني إنتاج الخطاب الإيراني الكلاسيكي: "إيران تقف مع لبنان ضد التصعيد الإسرائيلي" (تصريح يذكرنا بوعود فارغة أثناء حرب (2024)، ودعوة المدنيين لـ "الحفاظ على المقاومة" (في إشارة واضحة لحزب الله).
لكن الخبراء يقرأون بين السطور: هذا الخطاب "إكسير الحياة" لحزب الله الذي ينزف نفوذاً بعد:
ـ انهيار نظام الأسد في سوريا (شريان التمويل والتسليح).
ـ نجاح الحكومة في لبنان باعتراض تحويلات مالية إيرانية كانت بديلا عن شحنات السلاح.
كما أن الحقائق تكشف فجوة بين الخطاب والواقع: السلطات السورية أغلقت الطرق البرية لتهريب الأسلحة، والحملة اللبنانية على المطارات والمعابر قطعت آخر شرايين التمويل، الدمار الذي لحق بإيران في حربها مع إسرائيل يجعل دعم الحزب "رفاهية" لم تعد طهران قادرة عليه. والسؤال: كيف تطلب إيران من حلفائها الاستماتة وهي عاجزة عن إرسال "خبز المقاومة"؟
إن محاولة طهران لإنقاذ هيبتها أشبه بمن يصرخ في وادٍ سحيق سُدت منافذه، وبات حزب الله يواجه خيارين مرّين: التسليم لخطة الدولة (انتحار سياسي) أو المواجهة (انتحار عسكري). والغرب الذي خذل لبنان لعقود يسحب البساط اليوم من تحت أقدام إيران بـ "اليونيفيل" وخطة نزع السلاح.
أما إيران التي قدّمت نفسها "حامية المظلومين" فقد باتت تُحاكم على عجزها عن حماية حلفائها.
وخلاصة القول: زيارة لاريجاني هي مرثية لإمبراطورية تبخرت، وطهران التي دخلت بيروت كـ "قوة عظمى مصغرة" تخرج منها كـ "تاجر أحلام مكسورة". أما لبنان - هذا البلد الذي اعتاد أن يكون ساحة للآخرين - فقد يكتب في هذه الجولة فصلا جديدا: فصل الدولة عن وصاية الأوصياء، لكن السؤال يظل قائماً: هل تنتهي المعركة بيد لبنانية نقية؟ أم أن الأيادي الخفية ستلعب ورقة جديدة في "بيت النحل"؟ التاريخ يعيد نفسه في بيروت.. لكن هذه المرة، قد تكون الضحية هي من يكتب السيناريو.

 

مقالات متعلقة