بحث

سوريا: تشكيك من ذوي الضحايا في نتائج تحقيق أحداث الساحل ونوايا المحاسبة

بلدي - نهى ملحم
 

بعد أربعة شهور من الترقب، أعلنت "اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري" نتائج تحقيقاتها، التي شملت توثيق مقتل أكثر من 1426 مدنيًّا، بينهم 90 امرأة، وأكثر من 200 عنصر من قوى الأمن، وسط دعوات متصاعدة للشفافية والمحاسبة من الشارع السوري ومنظمات حقوق الإنسان.

وفي مؤتمر صحفي عُقد بالعاصمة دمشق يوم 22 تموز/ يوليو الجاري، قال رئيس اللجنة، ياسر الفرحان، إن التحقيقات استندت إلى 938 إفادة، وحددت 265 مشتبهاً فيهم، من بينهم عناصر أمنية وعسكرية. وأورد التقرير إحصاءات عن عدد الضحايا والانتهاكات، مختتمًا بجملة من التوصيات.

لكن أقارب الضحايا ونشطاء حقوقيين شككوا في مصداقية التقرير، واعتبره كثيرون "محاولة لإرضاء الجميع، إلا الحقيقة"، بعد استخدامه عبارات مثل "سقوط قتلى خلال الاشتباكات" دون تحديد المسؤولين عن المجازر.

رشا صادق، التي قُتلت والدتها وأخواها على يد فصائل مسلحة ونهب منزلها، قالت لـ"بلدي نيوز" إن التقرير تجاهل تفاصيل موثقة عن جرائم طائفية واسعة النطاق، ولم يشر إلى أي دور للحكومة الجديدة، واصفة التقرير بـ"المسيس". وأضافت: "التقرير لم يذكر سرقة وحرق أحياء كاملة، ولا قتل الأطباء والصيادلة، رغم توثيق الفيديوهات، كما تم تصفية عائلات من الجد إلى الحفيد".

بدورها، أكدت الكاتبة والناشطة هنادي زحلوط أن "مسلحين" أعدموا إخوتها الثلاثة ميدانيًّا مع عشرات من رجال قرية صنوبر جبلة بريف اللاذقية، في الثامن من آذار الماضي. وقالت إن التقرير وصف الانتهاكات بأنها "غير ممنهجة"، رغم أن الأدلة تؤكد العكس، وأن أوامر القتل صدرت من أعلى المستويات في القيادة الجديدة.

وانتقدت زحلوط غياب أسماء المتهمين، رغم ظهورهم في مقاطع فيديو موثقة من مناطق مثل صنوبر جبلة، المختارية، قرفيص، وحي القصور في بانياس، إضافة إلى الرصافة بريف حماة، حيث ارتُكبت مجازر واسعة.

أما "أم أحمد"، وهي سيدة من ذوي الضحايا، فأعربت عن مشاعر متضاربة، وقالت إنها رغم رضاها عن نشر النتائج، تخشى من أن تُغلق القضية من دون محاسبة، كما حصل في قضايا سابقة وُصفت بـ"الفردية".

تحدثت "بلدي نيوز" مع أربعة آخرين من ذوي الضحايا، عبّروا عن استيائهم من تغييب شهاداتهم، وعدم نشر أسماء الضحايا وظروف مقتلهم، إضافة إلى عدم الكشف عن المتورطين، معتبرين ذلك مؤشراً على نية طمس الملف وعدم محاسبة الجناة.

من جانبه، وصف الصحفي محمد عبد الرحمن التقرير بأنه "لحظة فارقة في تاريخ العدالة السورية"، معتبراً إقرار اللجنة بوقوع انتهاكات "سابقة مهمة نحو الاعتراف بالمسؤولية". لكنه شدد على أن العدالة لن تتحقق دون الكشف عن من أصدر الأوامر، لا فقط المنفذين.


بدوره، رأى المحامي عيسى إبراهيم، مستشار حركة الشغل المدني في سوريا، أن تقرير لجنة تقصي الحقائق غير محايد، لأن اللجنة مكلفة من السلطة المتهمة بالمسؤولية عن الأحداث الدامية في الساحل. وأضاف أن التقرير غير مهني، إذ إن أعضاء اللجنة ليسوا مختصين في المسائل التقنية اللازمة لتقصي الحقائق في عمليات الإبادة، بل لديهم اختصاص حقوقي عام فقط.

وفي حديث لبلدي نيوز، إشار إبراهيم إلى غياب بيئة آمنة ومحايدة تسمح بجمع الأدلة وسماع الشهود والتحقق من الحقائق بشكل كامل، فضلاً عن عدم الالتزام بالمعايير الدولية في التحقيق. كما نوه إلى أن التقرير لم يذكر أسماء المتهمين، ما يجعله بمثابة "تقرير صادر عن المتهم لتبرير أفعاله".

وفي أعقاب نشر التقرير، دعت 20 منظمة سورية، الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، إلى نشر التقرير الكامل، واتخاذ خطوات حقيقية لمحاسبة المسؤولين، مؤكدين أن العدالة لا تتحقق دون الشفافية.

ومن أبرز الجهات الموقعة على البيان: الشبكة السورية لحقوق الإنسان، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، المركز السوري للعدالة والمساءلة، النساء الآن، اليوم التالي، وميثاق حقيقة وعدالة.

في المقابل، أعلن "المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر" رفضه لنتائج لجنة التحقيق، مطالبًا بتدخل دولي للضغط على السلطات. وقال رئيس المجلس، الشيخ غزال غزال، إن "سلطة الأمر الواقع مسؤولة عن الجرائم التي ارتُكبت بحق أبناء الطائفة العلوية ومكونات أخرى"، معتبراً أن "ذرائع فرض سيادة الدولة غطاءٌ للتستر على غياب القانون".

مقالات متعلقة