بلدي - نهى ملحم
تشهد العاصمة دمشق واحدة من أشدّ أزماتها المعيشية منذ عقود، حيث بات "العطش" جزءاً من الحياة اليومية لملايين السكان.
ففي كثير من أحياء المدينة، لا تصل المياه سوى لساعتين كل 48 ساعة، بينما تنقطع كلياً عن بعض المناطق الواقعة في أطراف العاصمة. هذا الواقع دفع كثيرين للاعتماد على صهاريج المياه بأسعار باهظة تتجاوز أحيانًا 200 ألف ليرة سورية لكل 1000 ليتر، أي أكثر من نصف راتب موظف حكومي.
وتتفاقم الأزمة بسبب ضعف التيار الكهربائي، إذ يتسبب الانقطاع المستمر بتعطّل المضخات، ما يجعل سكان الطوابق العليا أول المتضررين.
ويعزو مختصون الأزمة إلى انخفاض منسوب نبع الفيجة، المصدر الرئيسي لمياه دمشق، حيث تراجع التدفق من 6 أمتار مكعبة في الثانية إلى أقل من 3، وفق بيانات المؤسسة العامة للمياه.
وقال محمد خير الله، موظف في مؤسسة مياه دمشق، لموقع "بلدي نيوز"، إن "الاعتماد الحالي على الآبار الجوفية، والرقابة، وتوعية الأهالي، يُخفي الأزمة الحقيقية"، مضيفًا أن "نبع الفيجة يعاني من جفاف حاد والعجز اليومي يصل إلى نحو 200 ألف متر مكعب".
شهادات من السكان
سميرة، أم لخمسة أطفال من حي التضامن، قالت لـ"بلدي نيوز" إنها تواجه صعوبة في إيصال المياه إلى الطابق الرابع حيث تقيم، مضيفة أن "تكاليف تعبئة الخزان باتت ترهق ميزانية العائلة"، وتلجأ سميرة إلى غلي المياه قبل شربها خوفاً على صحة أطفالها.
أما تامر، وهو عامل أجير، فيقول إنه يدفع 80 ألف ليرة لصهريج ماء "دون التفكير بصلاحيتها للشرب أو الطعمات الغريبة أحياناً بقدر اهتمامه بالحصول عليها".
وفي مساكن برزة، يشتكي طلاب السكن الجامعي من وصول المياه فقط ثلاثة أيام في الأسبوع، ما يدفعهم للذهاب إلى منازل أصدقائهم للاستحمام.
ويقول سائق صهريج من ضواحي دمشق: "نبيع الصهريج بين 70 و150 ألف ليرة بسبب غلاء البنزين"، مضيفًا أنه يحصل على المياه من بئر مرخّص، "لكن بعض السائقين يعبئون من خزانات غير نظيفة".
أزمة مزمنة
يرى محمد خير الله أن العاصمة تواجه "أزمة مزمنة"، ويُحذر من تفاقمها في ظل استمرار الجفاف، وتآكل البنية التحتية، وغياب التمويل الكافي. ويشدد على ضرورة إعادة النظر في سياسات إدارة المياه وتوسيع مصادرها عبر مشاريع التحلية وإعادة الاستخدام.
وأوضح أن المؤسسة بدأت بتشغيل آبار احتياطية كحل إسعافي، إلى جانب جدول تقنين صارم، مع خطط مستقبلية لإنشاء محطات معالجة، والتنسيق مع وزارة الكهرباء لضمان تشغيل محطات الضخ خلال ساعات الذروة. لكنه أقرّ بأن "الجهود الحالية تبقى محدودة مقارنة بحجم الأزمة".
من جهتهم، يدعو السكان إلى تشغيل آبار بديلة في ريف دمشق (بردى، جديدة يابوس، وادي مروان)، وصيانة الشبكات القديمة، وتنظيم التوزيع حسب الكثافة السكانية، مع تكثيف حملات التوعية، وإعداد خطة طوارئ مائية شاملة ومستدامة، علّها تُخفّف من تداعيات العطش المتفاقم.