تركي المصطفى
في السياسة الإيرانية، حيث تتقاطع الديناميكيات الدينية مع حسابات القوة، يعود من جديد إلى الواجهة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، الذي ظن كثيرون أنه انتهى بعد إبعاده عن انتخابات مجلس الخبراء، يعود اليوم من باب الأزمة التي خلّفتها الحرب الإسرائيلية-الإيرانية الأخيرة، حاملا مشروعا إصلاحيا يهدّد بزعزعة توازنات القوى في طهران. وفي بيان صادر يوم 24 يونيو، حوّل روحاني الهزيمة العسكرية إلى فرصة سياسية، داعيا إلى "إعادة بناء أسس الحكم" وترميم الثقة بين النظام والجمهور. ولم يكن كلامه مجرد خطاب روتيني، بل إعادة إنتاج لسرديته القديمة: أن الأمن القومي لا يُبنى بالصواريخ وحدها، بل بـ "اقتصاد مرن ودبلوماسية حكيمة". لكن روحاني، الذي عُرف ببراغماتيته، يعرف جيدا أن طريق الإصلاح محفوف بالمخاطر في نظام يسيطر عليه المتشددون. ولم ينتظر خصوم روحاني طويلا. حيث شنّت وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري، مثل جهان نيوز وتابناك، هجوما شرسا، متهمة إياه بـ "الخيانة الاستراتيجية" لإلغائه صفقة طائرات صينية خلال رئاسته. حتى عمدة طهران علي رضا زكاني دخل المعركة، مستخدما انتقادات روحاني السابقة للتجارب الصاروخية عام 2017 كسلاح ضده. الرسالة واضحة: أي عودة لروحاني ستكون على جثث أخطاء الماضي. وفي غياب قاعدة سلطة مستقلة، يعتمد روحاني على حلفاء من داخل النظام. أبرزهم عائلة لاريجاني، خاصة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام صادق لاريجاني، الذي حاول مع روحاني الضغط على خامنئي لوقف الحرب. كما قد يجد في الرئيس الحالي مسعود بيزشكيان، والقاضي الإصلاحي محسني إيجئي، حلفاء لموازنة نفوذ المتشددين. لكن هل تكفي هذه التحالفات في نظام يسيطر عليه المرشد؟ وفي المقابل، يُظهر المرشد علي خامنئي تركيزا حادا على أمن النظام. وذلك بعد تعيينه للجنرال علي عبد الله علي آبادي قائدا جديدا لـ مقر خاتم الأنبياء بعد مقتل سلفيه رشيد وشدماني في الغارات الإسرائيلية، ليؤكد أن الأولوية الآن للأمن الداخلي. وعلي آبادي، المُدرج على قوائم العقوبات الأمريكية، رجل أمن بامتياز، مما يعني أن أي إصلاحات لن تُمنح فرصة إذا هددت استقرار النظام.
بينما يحاول روحاني إحياء أجندته، يواجه النظام أزمة نووية متجددة. بيان مجموعة السبع الأخير أكّد رفض الغرب لأي برنامج نووي إيراني، بينما ردّ وزير الخارجية عباس عراقجي بمقولته الشهيرة: "أوروبا لم تعد ذات صلة". المعادلة القديمة نفسها: إيران تُصرّ على حقها في التخصيب، والغرب يرفض، والوكالة الدولية للطاقة الذرية عالقة في المنتصف.
وبالتالي الصراع في إيران اليوم ليس بين إصلاحيين ومتشددين فحسب، بل بين رؤيتين: واحدة ترى في الأزمة فرصة لمراجعة المسار، وأخرى تعتبر أي تراجع بداية الانهيار. فالرئيس السابق روحاني، بخبرته وعلاقاته، قد يكون آخر أمل للإصلاح من الداخل، لكن التاريخ يعلمنا أن من يلعب مع الحرس الثوري في ساحة السياسة الإيرانية، إما أن ينتصر أو يُدفن وعلى الأغلب ستكون الأخيرة.