بلدي
كشف تحقيق استقصائي أجرته وكالة “رويترز” عن مقتل ما يقرب من 1500 شخص من الطائفة العلوية في سوريا خلال ثلاثة أيام من العنف الطائفي بين 7 و9 مارس/آذار 2025، نفذتها قوات حكومية وفصائل مسلحة بمناطق الساحل السوري.
ووثق التحقيق عمليات قتل انتقامية، ونهب، وتخريب في 40 موقعاً، مع أدلة تشير إلى تسلسل قيادة يمتد إلى قادة الحكومة الجديدة في دمشق.
خلفية المذابح
بدأت موجة العنف رداً على انتفاضة استمرت يوماً واحداً في 6 مارس/آذار، قادها عسكريون موالون للرئيس المخلوع بشار الأسد، والتي أسفرت عن مقتل مئات من قوات الأمن، وفقاً للحكومة الجديدة. واستهدفت الهجمات قرى وأحياء علوية، حيث ارتبطت هذه الأقلية تاريخياً بنظام الأسد، الذي حكم سوريا لعقود، مما أثار استياءً واسعاً بين السكان السنة الذين يشكلون غالبية السوريين.
ومن بين الضحايا سليمان رشيد سعد (25 عاماً) من قرية الرصافة، حيث قال والده رشيد سعد: “شقوا صدره واقتلعوا قلبه ووضعوه على جثته”، وتلقى الأب اتصالاً من هاتف ابنه، حيث تحداه الجناة بأخذ الجثة الملقاة قرب صالون حلاقة.
وأُدرج اسم سليمان ضمن قائمة مكتوبة بخط اليد تضم 60 قتيلاً من قريته، بينهم أطفال وأقارب، في مشهد يعكس وحشية الهجمات.
تفاصيل التحقيق
وثق تحقيق “رويترز”، الذي استند إلى مقابلات مع أكثر من 200 من أهالي الضحايا، و40 مسؤولاً أمنياً ومقاتلاً، ومراجعة مقاطع فيديو ووثائق مكتوبة بخط اليد، تورط فصائل مثل جهاز “الأمن العام”، و"الفرقة 400"، و"لواء عثمان"، إلى جانب فرقة “السلطان سليمان شاه” وفرقة “الحمزة”، وهي فصائل تخضع بعضها لعقوبات دولية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
وأشار التحقيق إلى أوامر صدرت في 6 مارس/آذار من الحكومة الجديدة لسحق "فلول" النظام سابق، فسرها بعض المقاتلين كدعوة لاستهداف العلويين بشكل عام.
في قرية المختارية، قُتل 157 شخصاً، أي ربع سكانها، ضمنهم 28 من عائلة عبد الله و14 من عائلة درويش، وفي الصنوبر، قُتل 236 شخصاً، معظمهم شباب تتراوح أعمارهم بين 16 و40 عاماً. وترك المهاجمون رسائل طائفية على الجدران مثل "كنتم أقليات صرتم نوادر"، مع سرقة ممتلكات وتشريد عائلات. وأظهرت مقاطع فيديو هتافات مثل "سنية، سنية"، وجثثاً متراكمة، وإذلالاً للمدنيين.
شهادات مروعة
في الرصافة، وصفت غادة علي كيف أُجبر شباب على الركوع والنباح، ثم اقتيدوا للخارج. وقالت: “قالوا للشباب يركعوا على الأرض، ثم سحبوهم لبره”، وأُجبر ابنها صالح (17 عاماً) على النباح، بينما قُتل ابنها الأكبر سليمان.
وفي قرفيص، حاول وجهاء التفاوض مع مقاتلي لواء عثمان، لكن قُتل 23 شخصاً، ونُهبت القرية، أما في الصنوبر، شاركت الفرقة 400 وفرقة السلطان سليمان شاه في قتل 236 شخصاً، بينهم فني دراجات ومزارع، وأُجهضت امرأة حامل بعد تعرضها للضرب.
رد الحكومة والأمم المتحدة
قال الرئيس أحمد الشرع، الذي قاد “هيئة تحرير الشام” سابقاً: “لا نقبل أن تسفك قطرة دم بغير وجه حق”، وتعهد بمحاسبة المسؤولين، لكنه لم ترد الحكومة على نتائج التحقيق الذي أجرته “رويترز”.
وشكلت لجنة لتقصي الحقائق جمعت حتى الآن، شهادات أكثر من ألف شخص، وقال ياسر الفرحان، المتحدث باسم اللجنة: “أنصح بالتريث في النشر لحين الاطلاع على تقريرنا النهائي”.
وأكد محافظ طرطوس أحمد الشامي أن "الطائفة العلوية ظُلمت كما ظُلم الشعب السوري"، مقراً بمقتل حوالي 350 شخصاً في محافظته. ولم تعلن الحكومة حصيلة رسمية، بينما قالت الأمم المتحدة إن العدد الحقيقي يتجاوز 111 قتيلاً.
استمرار العنف وسياسة الحكومة
وأشار التحقيق الذي نشرته “رويترز” إلى استمرار العنف بعد مجازر الساحل، وبين مايو/أيار ويونيو/حزيران 2025، قُتل 20 علوياً في محافظتي اللاذقية وحماة.
وقال باولو سيرجيو بينيرو من لجنة التحقيق الدولية إن السلطات اعتقلت العشرات من المشتبه بهم.
وأثار تحقيق “رويترز” حول مقتل 1500 علوي في مذابح الساحل السوري موجة غضب وجدل واسعين في الشارع السوري، حيث طالبت أصوات عديدة بالكشف الفوري عن نتائج التحقيقات الرسمية ومحاسبة جميع المسؤولين عن المجزرة، بما في ذلك كبار الشخصيات العسكرية.
كما شدد ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي على ضرورة اتخاذ الحكومة إجراءات صارمة تضمن عدم تكرار مثل هذه المذابح في المستقبل، مع توفير الحماية لجميع المواطنين السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية.