بلدي
قالت منظمة العفو الدولية، الخميس، إن الناجين من نظام الاحتجاز الوحشي في سوريا، ومن بينهم من خرجوا من سجن صيدنايا العسكري سيء السمعة، لا يزالون يعانون من آثار جسدية ونفسية بالغة الخطورة، وسط نقص حاد في الدعم والرعاية، بعد مرور ستة أشهر على سقوط حكومة بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024.
وفي بيان صادر بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، دعت المنظمة إلى اتخاذ إجراءات فورية تضمن حقوق ضحايا التعذيب، تشمل إعادة التأهيل النفسي والطبي، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات من خلال محاكمات عادلة وشفافة.
وأكدت المنظمة أن الحكومة السورية الحالية تتحمل مسؤولية قانونية لضمان حقوق الضحايا في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والحصول على تعويض مناسب، كما دعت الدول المانحة إلى توفير التمويل العاجل لدعم البرامج التي تقودها مجموعات الناجين والجمعيات الأهلية المختصة.
وقالت بيسان فقيه، مسؤولة حملات في منظمة العفو الدولية: "قصص التعذيب والاختفاء القسري والشنق الجماعي داخل مراكز الاحتجاز السورية أثارت الرعب لعقود. ومن غير المقبول أن الناجين الذين تمكنوا من النجاة يواجهون اليوم صعوبة في الحصول على العلاج الطبي والنفسي اللازم". وأضافت: "يتوجب على الحكومة السورية إحالة جميع المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة فورًا، في محاكمات مدنية عادلة".
وفي إطار الإعلان الدستوري الذي صدر عقب تولي الحكومة الحالية السلطة في مارس 2025، حُظرت ممارسة التعذيب واعتُبر جريمة لا تسقط بالتقادم، وتم إنشاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية لقيادة جهود المساءلة. وأكد وزير الداخلية في اجتماع مع منظمة العفو الدولية أن السجون ذات السمعة السيئة، مثل صيدنايا وفرع فلسطين، لن تُستخدم مجددًا كمراكز احتجاز.
وخلال الشهر الماضي، التقت منظمة العفو الدولية بالعديد من الناجين ومنظمات المجتمع المدني، واستعرضت مطالبهم التي ركزت على ضمان مشاركة فعلية للناجين وأسر الضحايا في صياغة برامج الدعم، وتوفير تعويضات شاملة تشمل العلاج الطبي والنفسي، فضلاً عن تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة.
وحذرت مجموعات الناجين من فجوات كبيرة في الدعم عقب الإفراج الجماعي عن المعتقلين بعد سقوط النظام، مشيرة إلى أن التمويل انخفض بنسبة 60% في بعض المبادرات مثل "مبادرة تعافي"، مما حد من قدرة هذه البرامج على تقديم الدعم اللازم.
وقال دياب سرية من رابطة معتقلي سجن صيدنايا: "تقليص التمويل يؤدي إلى تفاقم معاناة الضحايا، إذ إن خدمات الصحة النفسية ليست رفاهية بل ضرورة أساسية لتعافي الناجين وإعادة دمجهم في المجتمع".
وأضاف ناشطون أن الناجين يعانون من صعوبة في الحصول على الرعاية الطبية اللازمة في ظل انهيار النظام الصحي، كما يواجهون تحديات مالية كبيرة لتغطية تكاليف الفحوصات والعمليات، مما يدفعهم للاعتماد على تبرعات من الناجين أنفسهم.
وشدد الناجون على ضرورة توفير دعم نفسي متخصص ومستمر، مؤكدين أن الإجراءات البيروقراطية مثل ملء استمارات طويلة للحصول على الدعم قد تزيد من معاناتهم النفسية، ويشعرون وكأنهم يخضعون لاستجواب جديد.
وأكدوا أن تحقيق المساءلة القضائية هو شرط أساسي لتعافيهم، مطالبين بمحاكمة مسؤولي الأجهزة الأمنية الذين ارتكبوا الانتهاكات ووضع حد للإفلات من العقاب.
وأشاروا إلى أن التعويض لا يقتصر على الدعم المالي فقط، بل يجب أن يشمل رد الاعتبار للكرامة الإنسانية من خلال اعتراف رسمي بالجرائم عبر نصب تذكارية وبرامج توعية، لضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات.
وعلى مدار سنوات، وثقت منظمة العفو الدولية استخدام نظام الأسد المخلوع للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب كأدوات لقمع المعارضة، وصنفت تلك الانتهاكات كجرائم ضد الإنسانية، مستندة إلى وثائق وشهادات متعددة.
ودعت المنظمة الحكومة السورية إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية، وضمان حقوق جميع الضحايا دون استثناء، ومحاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات، سواء كانوا جهات حكومية أو فاعلين غير حكوميين، من أجل تعزيز المساءلة والعدالة في سوريا.