بلدي
أصدر النائب العام للجمورية العرية السرية، حسان التربة، قرارًا بمنع سفر نحو مئة قاضٍ معزول بينهم قضاة سابقون في محكمة الإرهاب، ضمن إجراءات قانونية تهدف إلى محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي ارتكبت خلال حكم النظام السابق.
القرار يشمل قضاة أُحيلوا إلى التقاعد، وقضاة ندبوا للعمل في قيادة حزب البعث، وأعضاء سابقين في مجلس الشعب، وجميعهم مدعى عليهم في قضايا قيد التحقيق.
تأتي هذه الخطوة في سياق جهود المرحلة الانتقالية لإصلاح النظام القضائي وتحقيق العدالة بعد سقوط النظام السابق.
وزير العدل أصدر قرارات بتشكيل لجنة قضائية متخصصة لمراجعة الأحكام الصادرة عن محكمة قضايا الإرهاب والمحاكم الاستثنائية التي أنشئت خلال فترة النظام السابق، بهدف تقييم مدى قانونيتها ومواءمتها مع الضمانات الدستورية.
اللجنة القضائية مسؤولة عن إعداد تقارير تحليلية دقيقة لكل حالة، ورفع تقارير شهرية إلى مجلس القضاء الأعلى تتضمن توصيات بإلغاء الأحكام التعسفية أو التي تنتهك الحريات العامة، في إطار العدالة الانتقالية.
محكمة قضايا الإرهاب تأسست عام 2012 لتحل محل محكمة أمن الدولة، لكنها سرعان ما تحولت إلى أداة لقمع المعارضة وملاحقة النشطاء بدلاً من مكافحة الإرهاب.
اتسمت المحاكمات بعدم العدالة، حيث استُخدمت الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب كأدلة، وحُرم المعتقلون من حق الدفاع، مع إصدار أحكام الإعدام والسجن المؤبد بناءً على تقارير أمنية.
تولت النيابة دور واجهة للأجهزة الأمنية، حيث كانت تلعب دور السكرتارية للأفرع الأمنية، التي تفرض على القضاة اعتماد اعترافات منتزعة بالقوة.
المحكمة أصدرت قرارات بمصادرة ممتلكات المتهمين وأسرهم، ووسعت صلاحياتها لتشمل الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة.
على مدار سنوات عملها، اتسمت المحكمة بتصعيد القمع، حيث شملت استهداف المجتمع المدني والإعلاميين والعاملين في الإغاثة، مع ممارسات ابتزاز مالي مقابل تخفيف الأحكام، رغم تغييرات شكلية، ظلت المحكمة أداة أمنية بامتياز تخدم مصالح النظام.
المحكمة لم تكن مستقلة، إذ عيّن رئيس الجمهورية السابق قضاة التحقيق والنقض، وكان رئيس النيابة العامة وسيطًا بين الأجهزة الأمنية والقضاة، مع تجاهل تام لادعاءات التعذيب من قبل المعتقلين. غياب حق الدفاع والمحاكمة العادلة كان سمة بارزة، مع طعون عديمة الجدوى وأعداد كبيرة من المختفين قسرًا.
اقتصاديًا، استخدمت المحكمة مصادرة ممتلكات المعارضين وأسرهم بشكل واسع، وشملت أوامر الحجز القصر والأطفال، ما يعكس الأبعاد القمعية والانتقامية لنشاطها.
وفق تقارير حقوقية، انتهكت المحكمة القانون الدولي والعرفي، وصنفت أداة لارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مع احتمال مساءلة قضاة المحكمة دوليًا.
بعد سقوط النظام، بدأت السلطات فتح ملفات التجاوزات والفساد المرتبطة بالمحكمة، وفتح تحقيقات مع قضاة متورطين، ضمن خطوات نحو بناء قضاء نزيه ومستقل يحترم حقوق الإنسان ويقطع مع استخدام القضاء كسلاح سياسي.
أظهرت الأرقام حجم المأساة: المحكمة نظرت في أكثر من 91 ألف قضية، وما زال نحو 10 آلاف شخص قيد الإجراءات القضائية، مع توثيق أكثر من 177 ألف مفقود قسريًا، وعدد كبير من الوفيات تحت التعذيب، مما يؤكد الحاجة الماسة لتفكيك هذه المحكمة وبناء مؤسسات عدالة حقيقية.