تركي المصطفى
في مشهد يذكّر بفصول الحرب الباردة، دخلت إسرائيل وإيران منذ مساء 16 يونيو في مواجهة تصعيدية لم تشهدها المنطقة منذ سنوات. ما بدأ كرد فعل إسرائيلي على البنية العسكرية الإيرانية تحول سريعا إلى ردود متلاحقة، استخدمت فيها طهران الصواريخ الباليستية، بينما ردت إسرائيل بضربات جوية دقيقة على مواقع عسكرية وأخرى مرتبطة بالبرنامج الكيميائي الإيراني، والمواجهة لم تعد محصورة في السياق العسكري فحسب، بل بدأت تلامس حدودا استراتيجية جديدة وواسعة، تقوم على الضربات الاستباقية والاستنزاف المتواصل لقدرات طهران العسكرية. لتعيد رسم خريطة القوة في الشرق الأوسط.
الضربات الإسرائيلية تدمر قواعد الصواريخ الإيرانية
وفقا لصور الأقمار الصناعية وتحليلات مراكز أبحاث دولية، دمرت الطائرات الإسرائيلية عشرات المواقع العسكرية في غرب إيران، بما في ذلك:
ـ قاعدة غزنجي في كرمانشاه: وهي موقع رئيسي لإطلاق الصواريخ الباليستية التابعة للحرس الثوري الإسلامي.
ـ قاعدة الحرس الثوري في الأحواز: التي يُعتقد أنها تخزن صواريخ متوسطة المدى.
ـ مستودع ذخيرة في دزفول: الذي يزود الميليشيات الإيرانية في المنطقة.
تشير هذه الضربات إلى أن إسرائيل تعمل على شل قدرة إيران على تنفيذ هجمات صاروخية ضدها، خاصة بعد موجة القصف الإيراني الأخيرة التي شملت إطلاق أكثر من 30 صاروخاً باليستياً وطائرات مسيرة تجاه إسرائيل.
استهداف البرنامج الكيميائي والنووي الإيراني
كشفت صور الأقمار الصناعية أيضا عن تدمير مباني في مجموعة الشهيد ميسامي للهندسة الكيميائية في كرج، وهي منشأة تشرف على أبحاث الأسلحة الكيميائية وتتبع لمنظمة الابتكار والبحث الدفاعي، وهذه المنظمة، التي لعبت دورا محورياً في البرنامج النووي الإيراني قبل عام 2003، كانت قد تعرضت سابقا لضربة جوية استهدفت مقرها في طهران يوم 14 يونيو. كما ترددت أنباء غير مؤكدة عن ضربات جوية استهدفت مجمع نطنز لتخصيب اليورانيوم في أصفهان، مما يثير تساؤلات حول مدى تقدم إسرائيل في تقويض البرنامج النووي الإيراني.
اغتيال قيادي عسكري إيراني بعد ساعات من تعيينه
في تطور دراماتيكي، أعلن الجيش الإسرائيلي يوم 17 يونيو مقتل اللواء علي شدماني، القائد الجديد لـ "مقر خاتم الأنبياء المركزي"، في غارة جوية على طهران. وكان المرشد الأعلى علي خامنئي قد عين شدماني خلفا للواء غلام علي رشيد، الذي قُتل هو الآخر في ضربة إسرائيلية قبل أيام.
هذا الاغتيال يؤكد أن إسرائيل تنفذ عمليات استخباراتية دقيقة لاستهداف القيادات العسكرية الإيرانية، في محاولة لتعطيل التنسيق بين فروع الحرس الثوري.
الرد الإيراني: قصف متقطع وإصابات محدودة
ردت إيران بإطلاق سلسلة من الصواريخ الباليستية على إسرائيل، لكن معظمها تم اعتراضه أو سقط في مناطق مفتوحة. ومع ذلك، أصاب صاروخ واحد موقف سيارات في وسط إسرائيل، مما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص. كما استهدفت إيران مدرسة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في معسكر موشيه ديان بتل أبيب، مما ألحق أضراراً بمستودع في المجمع.
الخلاصة: حرب استنزاف بلا نهاية مرئية
تبدو المواجهة بين إسرائيل وإيران وكأنها تدخل مرحلة جديدة من حرب الظل، حيث تعتمد تل أبيب على الضربات الجوية والاستخباراتية لشل قدرات طهران، بينما تحاول الأخيرة الرد بقصف متقطع لا يكلف إسرائيل خسائر كبيرة.
السؤال الآن: هل ستستمر إسرائيل في تصعيد ضرباتها؟ وهل ستملك إيران رداً استراتيجياً يغير معادلة الصراع؟