تركي المصطفى
في مشهد يجسّد التناقض الإيراني بأبعاده كافة، تصرّ طهران على رفع سقف خطابها النووي رغم تعرض بنيتها التحتية العسكرية لضربات إسرائيلية "غير مسبوقة" في العمق. فبينما يهدد الرئيس الإيراني بـ "ردود شديدة" إذا فشلت واشنطن في كبح إسرائيل، يُشرع البرلمان الإيراني في التمهيد للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي – وهي خطوة تُعتبر في العرف الدولي "إعلان حرب دبلوماسية".
لكن خلف هذا الخطاب الصلب، تكشف مصادر دبلوماسية مطلعة عن "رسائل طنين" إيرانية عبر وسطاء عرب، تعبّر عن استعداد مشروط للعودة إلى طاولة المفاوضات:
- الشرط الأول: وقف إسرائيلي للضربات يسمح لإيران بـ "إكمال ردها" (أي ضربة صاروخية تحفظ بها ماء الوجه).
- الشرط الثاني: عدم انضمام الولايات المتحدة للعملية العسكرية.
هذه المطالب – كما يعلق محللون غربيون – "تشبه طلب المستسلم تحديد شروط استسلامه"، خاصة أن إسرائيل تصرّ على شرط غير قابل للتفاوض: "وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%".
اللافت أن طهران تتعامل مع الملف النووي كـ "ورقة ضغط" أكثر منه برنامجا استراتيجيا:
1. خطاب علني: تصريحات الرئيس الإيراني عن "الحق النووي السلمي" تذكّر بأيام أحمدي نجاد في ذروة الأزمة مع الغرب.
2. مناورات خفية: مصادر مقرّبة من الحرس الثوري تلمّح إلى أن "التخلي عن التخصيب قد يكون ثمنا لبقاء النظام" – وفق تسريب صحفي نشر في إعلام الشتات. وهذه الازدواجية تكشف معضلة المرشد الأعلى: كيف يوازن بين:
- الحفاظ على "ورقة المفاوضات" كشريان حياة للاقتصاد المنهك.
- عدم الظهور كـ "ضعيف" أمام قاعدة الحرس الثوري المتشددة.
وفي منعطف خطير، دخلت القوى الكبرى على الخط على شكل رسائل ومواقف يمكن رصدها كما يأتي:
- الرسالة الروسية: مصادر إسرائيلية تفيد أن بوتين حذّر المرشد من أن "استمرار التصعيد يهدد النظام نفسه". هذه الكلمات – التي جاءت بعد اتصال بوتين بترامب – قد تفسّر على أنها موافقة روسية أمريكية ضمنية على الضربات الإسرائيلية.
- الحشد العسكري الأمريكي: وصول حاملة الطائرات "نيميتز" إلى المنطقة، مع نشر 21 ناقلة وقود في أوروبا، يُشير إلى أن واشنطن تستعد لسيناريوهين:
الأول: حماية مصالحها إذا انفجر الوضع.
الثاني: فرض "حل تفاوضي" تحت التهديد العسكري.
وبذلك فالمشهد الحالي يجبر طهران على خيارات صعبة:
1. الخيار الأول: الاستمرار في المقاومة الصورية (بين صواريخ محدودة التأثير وتهديدات نووية غير قابلة للتنفيذ)، مع خطر انهيار النظام من الداخل تحت وطأة الضربات.
2. الخيار الثاني: قبول صفقة تضمن بقاء النظام مقابل تجميد نووي، كما فعلت كوريا الشمالية عام 1994.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يمكن للنظام الإيراني – بتركيبته الثورية المعقدة – أن ينجو من هذا الاختبار دون "خسارة وجهه" التاريخي؟