تركي المصطفى
في ليلة لم تشهدها المنطقة منذ عقود، تجاوزت إسرائيل خطوط التماس التقليدية لتوجه ضرباتها إلى العمق الإيراني، مستهدفة مراكز حيوية تُعتبر "عقدة الأمن القومي" الإيراني. بدءًا من مقر "فيلق القدس" في طهران، ومرورا بثكنات الحرس الثوري في زنجان، ووصولا إلى مجمع "بارشين" العسكري – الذي يُوصف بأنه "القلب النابض" لبرنامجي الصواريخ والنووي الإيرانيين – كانت الرسالة الإسرائيلية واضحة: "لا حصانة لأي موقع يهدد أمننا".
المثير أن هذه الضربات، التي نُفذت وفقا لتأكيدات الجيش الإسرائيلي في 16 يونيو، لم تكن عشوائية، بل استندت إلى ما وصفه بـ "مخابئ تخطيط هجمات ضد إسرائيل". والأكثر إثارة للجدل هو استهداف *مصنع فوردو* لتخصيب اليورانيوم في قم، وهو ما قد يعيد النقاش حول الملف النووي الإيراني إلى الواجهة الدولية، خاصة مع تلميحات تقارير استخباراتية عن "أضرار جسيمة" ستكشف لاحقا.
لم تترك طهران الضربات تمر دون رد، لكن ردها – بحسب المراقبين – جاء "محدودًا" و"محسوبا". إطلاق ما يقارب 40 صاروخا باليستا، أصاب منها اثنان محطة كهرباء في حيفا (أسفر عن سقوط 3 قتلى)، بينما سقط الباقي في مناطق مفتوحة أو تم اعتراضه. اللافت أن أحد الصواريخ تسبب بأضرار "طفيفة" في السفارة الأمريكية بتل أبيب، وهو ما دفع السفير "مايك هاكابي" إلى نفي وجود إصابات، لكن الصورة الجغرافية للأضرار أثارت تساؤلات عن "رسالة مبطنة" من طهران إلى واشنطن.
أما الطائرات المسيرة التي اخترقت الأجواء الإسرائيلية، فتبقى هوية مُطلقيها غامضة، مما يفتح الباب أمام احتمالات تدخل "وكلاء" أو حتى "أطراف ثالثة" تريد تأجيج الصراع من الخلف.
وفي تطور غامض، انفجرت سيارات مفخخة في العاصمة الإيرانية، دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها. هل هي عمليات تخريب داخلية؟ أم ضربات إسرائيلية بطريقة أخرى؟ الأسئلة هنا تفتح ملف "حرب الاستخبارات" التي قد تكون أكثر تعقيدا من المواجهة العلنية.
وبالتالي ما حدث ليس مجرد تبادل ضربات، بل اختبار لنظرية "الردع المتبادل" في الشرق الأوسط. والسؤال الآن: هل ستكون هذه المواجهة بداية حرب مفتوحة، أم فصلا جديدا من حرب الظلال التي لا يعرف أحد قواعدها تماما؟ وهنا فالتاريخ لا يُكتب بالمدافع فحسب، بل أيضاً بالمفاجآت التي تُغير المعادلات بين عشية وضحاها.