بحث

من بغداد إلى دمشق: الطريق الطويل نحو إنهاء المشروع الإيراني

تركي المصطفى

ما يجري اليوم على الجبهة الشرقية من الصراع الإقليمي ليس مجرد رد فعل عابر أو تصعيد مفاجئ، بل هو نتاج تصميم استراتيجي طويل الأمد، تبلورت ملامحه عبر سنوات من التوترات المتراكمة، وفشلت كل أدوات الدبلوماسية في احتوائه. والحرب بين إسرائيل وإيران لم تعد مجرد مواجهة ثنائية حدودية أو صراعا محليا محدودا، بل دخلت مرحلة جديدة من التصعيد العسكري المباشر، وقد تكون هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها العنف كأداة حاسمة في صراع وجودي.

الضربات الصاروخية الإيرانية في العمق الإسرائيلي ليست نهاية المطاف، بل ربما تكون بداية لمرحلة أكثر عنفا وتصعيدا، خاصة مع الحديث عن دخول أسلحة نوعية إلى المعادلة، لم تُستخدم بعد بشكل رسمي في المعارك، لكنها سبق أن برزت في معارك سابقة مثل سقوط بغداد عام 2003. تلك الأسلحة تعتمد على مبدأ فيزيائي جديد، يدمج بين غازين عند الانفجار، لتنتج قوة تدميرية هائلة، تُضاهي القوة النووية من حيث تدمير البنية، دون أن تترك أثراً إشعاعياً. كانت هذه الأسلحة يومها عاملا محددا في سقوط العاصمة العراقية، وما زالت تثير الرعب من فعاليتها.

في المشهد الحالي، فإن الدور الأمريكي لا يزال محوريا، وإن كان غير مباشر. فالولايات المتحدة تقدم الدعم اللوجستي والجوي، وتؤمن الوقود للطائرات الإسرائيلية في الجو، وتوفر المعلومات الاستخبارية والرصد الإلكتروني، وتشارك في تعطيل أنظمة الدفاع والاتصالات المعادية. وفي حال تصاعدت الحرب إلى مستوى يتطلب تدخلا أمريكيا مباشرا، فإن طبيعة المعركة ستتغير، وستكون النتائج أسرع وأكثر حسما.

أما إيران، فقد دخلت في معركة لا تقبل التسويف ولا المساومة. لم يعد أمام النظام الإيراني إلا خيار واحد فقط: استخدام ما تبقى من طاقاته العسكرية، وهي تقتصر في الحقيقة على منظومة الصواريخ الباليستية، والتي باتت السلاح الوحيد الفعال في أيديه. كل ما عدا ذلك هو خطاب أيديولوجي أو تكتيك إعلامي. وباستخدامه هذا السلاح، يكون قد عبر الخط الأحمر، وأدخل المنطقة في مرحلة جديدة من الصراع، لن تقف عند حدود إسرائيل أو إيران.

الهدف من هذه الحرب ليس فقط تحقيق توازن ردع مؤقت، ولا حتى ضرب القدرات الصاروخية الإيرانية، بل هو أبعد من ذلك. إنها محاولة لإعادة ترتيب الخريطة الإقليمية والدولية في آنٍ واحد، ووضع حد نهائي لمشروع إيراني توسعي استمر عقودا، وشكل تهديدا استراتيجيا على الأمن الإقليمي، وخاصة في منطقة الخليج العربي والبحر المتوسط.

ولا يستبعد أن تمتد يد التدخل إلى دول أخرى في الجوار، فالانسحاب الأمريكي منها لم يكن انسحابا بالمعنى الحرفي، بل كان إعادة انتشار، ونقل للقوات الضاربة إلى مواقع أكثر استراتيجية، تمهيدا لمواجهة أكبر مع الصين في آسيا. وسوريا أيضا أصبحت اليوم في قلب الحسابات الجديدة، فسقوط نظام الأسد لم يكن مجرد انهيار داخلي، بل كان ضربة استراتيجية قاصمة للمحور الإيراني، وكانت بمثابة قطع الشريان الحيوي الذي كان يربط إيران بالبحر المتوسط.

إن هذه الحرب، بكل ما تحمله من دلائل وتحولات، ليست وليدة اللحظة، ولا هي نتيجة رد فعل عاطفي، بل هي حصيلة مشروع استراتيجي مدروس، تتجاوز أبعاده كثيرا الحسابات التقليدية للصراع العربي – الإسرائيلي، ويصل إلى إعادة تشكيل النظام الدولي ذاته، في مرحلة جديدة من التنافس العالمي، حيث تتقاطع المصالح وتتصادم المشاريع الكبرى.

والنتيجة المؤكدة واحدة: لا يمكن أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل هذه الحرب، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، ولن يكون مصير إيران أقل من تغيير جذري في موازين القوى، إن لم يكن في طبيعة النظام نفسه.

مقالات متعلقة