بحث

لهذه الأسباب لن تنشب حرب بين روسيا وتركيا

بلدي نيوز - راني جابر (محلل عسكري)
ازداد المشهد السوري خلال الأشهر الأخيرة تعقيداً وتوتراً، بعد أن أصبح التدخل العسكري المباشر علنياً في مجريات الحرب في سوريا. بعد سنوات من الدعم العسكري غير المباشر دخلت روسيا بثقلها إلى الميدان بعشرات الطائرات التي نشرتها في مطار حميميم، وآلاف الغارات التي أزالت بها بلدات وقرى كاملة من الخارطة، غيرت روسيا الكثير في الوضع السوري.
التدخل الروسي الذي يعتبر سابقة في تاريخ روسيا، من ناحية المكان والدور والأهداف، والأطراف التي تتعاون معها، تسبب بالكثير من التوتر على الحدود التركية (حدود الناتو)، فلطالما كان الانتشار السوفيتي ومن بعده الروسي مركزاً شرقي أوربا، لكنه أصبح الآن موجوداً وبشكل صارخ على ضفاف المتوسط جنوبي تركيا.
حاول الناتو التخفيف من هذا التوتر بسحب بطاريات الباتريوت من تركيا، بعد أن ادعى أن تهديد الصواريخ البالستية للنظام قد انتهى، وقد يعزى ذلك لاتفاقات ضمنية مع النظام وحتى روسيا للتوقف عن استخدام صواريخ سكود، والتي شنت إسرائيل التي يبدو (أنها الضامن لهذا الاتفاق) مجموعة ضربات ضد مواقع ومخازن الصواريخ لدى النظام.
هذا التوتر تأجج وازداد وطفت للسطح أحاديث عن مواجهة عسكرية مباشرة مع تركيا، عندما أسقطت تركيا طائرة روسية بعد تكرر اختراق الحدود من قبل الطائرات الروسية أكثر من مرة.
خطوة تركيا الجريئة والتي لم تحدث سابقاً خلال تاريخ الصراع بين الناتو وحلف وارسو، لها عدة تفسيرات من بينها إحراج حلف الناتو الذي بدا بارداً تجاه التمدد الروسي جنوبي تركيا، ودعم روسيا لكل أعداء تركيا من نظام الأسد والميليشيات الشيعية والكردية المتحالفة معه، فسحب الباتريوت خلال التدخل الروسي في سوريا يعتبر تصرفاً غير متوافق مع التهديد الجوي الروسي البارز وبقوة في الجنوب، حيث تنتشر عشرات الطائرات الروسية التي تعتبر القوة الجوية الروسية الأكبر خارج حدودها.
فعدا عن الإعلان المقتضب لحلف الناتو عن جهوزية قواته البحرية للدفاع عن الأراضي التركية، ونشر الولايات المتحدة لعدد من الطائرات المختصة بإخماد الدفاع الجوي لم يقدم الناتو أي دعم جدي لتركيا.
فتركيا التي تستشعر خطراً روسياً كبيراً على حدودها الجنوبية، مترافقاً بإحساسهاً بعدم تحمس الناتو للدفاع عنها، ستكون حذرة جداً في أي تصرف باتجاه الأراضي السورية، فهي لا تستطيع التصرف منفردة لعدة أسباب، قد يكون أولها أنها مطوقة بشكل حقيقي من عدة جهات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
فهي لن تقدم على أي تصرف بدون موافقة الأمم المتحدة وبتفويض منها أو على الأقل وجود غطاء من توافق أو حلف دولي يشمل أمريكا كرأس له، لأنها تعرف أن الناتو لن يساندها في أي تصرف تقدم عليه في الأراضي السورية منفردة (خلافاً للقانون الدولي)، فأميركا بحاجة لمبرر للتخلي عن تركيا، وتسليمها كما سلمت قبلها سوريا للروس.
روسيا التي تعلم تماماً هذه الحالة من التخاذل من طرف الناتو، ورغبة الغرب بتحجيم تركيا، وإضعافها تعمل على المحافظة على مستوى معين من التوتر بدون تجاوزه، وبدون تنفيذ اعتداءات مباشرة ضد تركيا، فهي تستثمر ورقة عدم مقدرة تركيا منفردة على التدخل المباشر في سوريا، فلا تنفذ أي هجمات ضد القوات التركية لعدم إعطاء تركيا الفرصة لإحراج الناتو، ولإجباره على التدخل لمساندتها.
فروسيا لن تبدأ الهجوم المباشر على تركيا، بحكم كونها عضواً في حلف الناتو والذي سيدافع عنها مجبراً وليس مختاراً، كذلك تركيا لن تقدم على عمل مباشر ضد القوات الروسية في سوريا بدون تفويض دولي، ما سيجعل حالة التوتر ترتفع تدريجياً، بينما تساهم الطائرات الروسية في تدمير المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد وتسليمها لأعداء تركيا التاريخيين.
قد يكون الرد التركي الأمثل للتمدد الروسي في الجنوب هو تسليم سلاح متطور للثوار، وهذا لم تظهر بوادره على الأرض لحد الأن، ولا يعرف إذا ما كان الثوار سيحصلون قريباً على سلاح مناسب لصد الهجمة الروسية غير المسبوقة.
الرد الأخر يتمثل بفتح أبوب الهجرة أمام السوريين تجاه أوربا خصوصاً المعابر البرية مع اليونان، والذي في حال حدث سيشهد تدفقاً هائلاً لمئات آلاف اللاجئين اللذين لم يستطيعوا توفير تكاليف الرحلة البحرية.
ما يضع أوروبا مقابل ضغط كبير، قد يجبرها على الضغط على روسيا لتخفيف التوتر مع تركيا، وهو السيناريو الذي هدد به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
إضافة لأن أي مواجهة عسكرية بين تركيا وروسيا، سينجم عنها موجة نزوح غير مسبوقة، ما يضع أوروبا أمام تحدي حقيقي في ما يخص احتمالية تحول التوتر إلى صدام مباشر بين روسيا وتركيا التي تعتبر عضواً بارزاً في حلف الناتو.
معظم ما سبق يشير إلى ضعف احتمال تطور التوتر إلى صدام عسكري مباشر، لكنه لا يزيل احتمالية حدوث صدام عسكري غير مباشر بين الدولتين، متمثلاً بدعم تركيا للثوار بالسلاح، أو تحريك روسيا للميليشيات الكردية المختلفة ضد تركيا، سواء داخل تركيا في المناطق الجنوبية الشرقية أو عبر الحدود السورية.

مقالات متعلقة