بحث

لو كان يوري أندروبوف بدل بوتين الآن.. لرمى الأسد كالبطاطا

Foreign Policy  - ترجمة بلدي نيوز
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلم أن روسيا بمأزق كبير، ولكنه لا يعلم ما يفعل حيال ذلك، فسواء في مؤتمره الصحفي الملحمي الذي استمر لمدة ثلاث ساعات في الآونة الاخيرة، أو في خطابه للأمة الروسية بمناسبة العام الجديد، بدا الرئيس الروسي هذه المرة رزيناً على شكل غير معهود، ولم يبد عليه التفاؤل والثقة كعادته، فقد رأيناه كمدير تنفيذي يبذل قصارى جهده لطمأنة الشعب الروسي بقوله: "الاقتصاد الروسي سيتغلب عموماً على الأزمة، فالديون انخفضت وعدد السكان بارتفاع مستمر،  مضيفاً : " إن الأرقام جيدة وهي تعطي انطباعاً عن التفكير الإيجابي للشعب الروسي". 
ولكن إن كان بوتين يسعى لتهدئة المواطنين الروس القلقين، فلا يبدو أنه نجح كثيراً، فروسيا تترنح على حافة الهاوية، وجدول أعمالها العالمي المتمسكة به بشدة قد أدخل البلاد بحالة ركود منذ عامين، كما أثر على دخل المواطنين، وارتفعت الاضطرابات العمالية، ومع ذلك لا يوجد أي استراتيجية سوى الانتظار لتعافي أسعار النفط العالمية وارتفاعها مرة أخرة.
وفي الوقت الذي يواجه بوتين فيه الأزمة الاقتصادية في البلاد، وشعبه المضطرب، ونخبة سياسية تولي اهتماماً أكبر لمصالحها أكثر من مصالح الدولة، ربما حان الوقت لتلقي بعض الدروس الغير متوقعة من أحد أبطال روسيا "الإصلاحي يوري أندروبوف".
فلطالما عبر بوتين عن إعجابه بأندروبوف، الرجل الذي ترأس "KGB " عندما انضم بوتين لأول مرة إلى التنظيم والذي شغل منصب أمين عام الاتحاد السوفيتي لأكثر من عام واحد من تشرين الثاني  1982 إلى شباط 1984. 
وكانت أول أعمال بوتين حين أصبح رئيس الوزراء في عام 1999، هو إعادة لوحة لأندروبوف إلى المبنى السابق لمقر KGB (والتي أصبحت الآن FSB)، وفي عام 2004 بمناسبة الذكرى الـ 90 لميلاد أندروبوف، شيد بأمر بوتين تمثالاً له يبلغ ارتفاعه 10 أقدام في مدينة بتروزافودسك، حيث  قاد أندروبوف المقاومة السرية ضد النازيين.
أندروبوف شخصية معقدة  من الصعب أن تحب، ولكن من المستحيل تجاهلها، وقد كان شريراً بالتزامه مع الحزب الشيوعي، كقائد الـ KGB، أمر بوضع المنشقين في مستشفيات الأمراض النفسية، وطارد الصحفيين  ومنعهم من حرية التعبير، وعندما كان سفيراً للاتحاد السوفياتي في المجر عام 1956، قيل أنه كان له دور فعال في سحق الثورة المجرية.
وفي الوقت نفسه، كان أندروبوف مسؤولاً أيضاً عن نظام الاقتصاد الليبرالي نسبياً والذي سمح لبودابست في وقت لاحق باعتماده عام 1962، مما يعني أن الهنغاريين تمتعوا بنوعية حياة أفضل من أي مكان في الكتلة السوفيتية، وكان أندروبوف قد عين رئيسا للـ KGB على وجه التحديد ليخرج المنظمة من ظل ستالين ولتحديثها بعيداً عن البلطجة والسادية، وفعلاً قام بتجنيد شباب من افضل وألمع الجامعات السوفياتية، ورغم أن KGB كان لا يزال جهاز قمع إلا أن أندروبوف كان محورياً في هندسة جيل جديد من الإصلاحيين، بما في ذلك ميخائيل غورباتشوف. 
لكن بوتين، على الرغم من تقديره لصفات شخصية أندروبوف، كذكائه، وتصميمه وعزمه في الأمور، إلا أنه تجاهل صفات أخرى ساعدت أندروبوف على السيطرة على غضبه، بل الأسوء من ذلك، اعتمد بوتين أسوأ تكتيكات أندروبوف:  بأن يكون رجل مخابرات، ويقمع البعض لردع الكثيرين  _ ولكن ما يحتاجه  فعلاً بوتين هو أن يتعلم بعض الدروس من أندروبوف القائد وهي:
1-  معالجة الفساد في الأعلى (وهذا يعني أنت فلاديمير)
يتحدث بوتين دائماً عن أن الفساد يضعف المجتمع ونظام الدولة، ولكنه لا يفعل شيء ضد الشخصيات البارزة في روسيا المنخرطة في هذا النوع من الاختلاس والتي تستنزف البلاد تماماً، جزء من المشكلة بالطبع أن بوتين نفسه قد شارك عن كثب في هذه الاعمال الفاسدة منذ دخل معترك السياسة في بداية التسعينيات، فقد زعم منتقد الكرملين بيل برودر أن (بوتين يملك شخصياً 200 مليار دولار).
وعلى النقيض من ذلك، كان أندروبوف لا يهتم للامتيازات المتاحة لزعماء الحزب، وكان كثيراً ما يرفض الهدايا لأنها تأتي خدمة لمصالح ذاتية، وفي وثائقي عنه قيل أنه يستخدم جناحاً واحداً، ومعطفاً واحداً  ويركب  أبناءه وأحفاده مترو الانفاق كمواصلات.
وحتى قبل مجيئه إلى السلطة، قام أندروبوف باستخدام منصبه كقائد KGB لإطلاق حملة ضد الفساد، وعندما أصبح الأمين العام (السكرتير الأول) للحزب الشيوعي، طرد 15 وزير من الحكومة بينهم وزير الداخلية، وذلك ن خلال معالجة المسؤولين الفاسدين في الجزء العلوي من النظام، ولم يكن فقط يريد حل مشكلة حقيقية في الدولة، بل أراد أيضاً أن يظهر للمواطنين العاديين الروس أن ما قام به لم يكن مجرد علاقات عامة.

 

وبحلول أواخر السبعينيات كان الاقتصاد السوفياتي في تدهور خطير، بسبب تراجع أسعار النفط العالمية (أيبدو هذا مألوفا؟) بعد ذلك، كما هو الحال اليوم، اضطر الروس جميعاً لتحمل سياسة التقشف، أما في عهد بوتين فالنخبة لم تتأثر كثيراً، فيما تضرر الشعب الروسي الذي اضطر لتحمل عقبات العقوبات الأوروبية وزيادة الضرائب، وغرقت البلاد في تضخم أدى لاندلاع الاحتجاجات - وهو ما كان أندروبوف  يسعى جاهداً لتجنبه مسبقاً.
2- أن يدرك بوتين أن صراع روسيا مع الغرب سيخسر 
كان أندروبوف مؤمناً بالماركسية اللينينية بل ومن المتشددين فيها، فهو لم يكن يثق بالغرب، ومع ذلك سعى لتحسين العلاقات مع أمريكا لإنهاء الحرب الباردة الخطيرة والتي لا تستطيع موسكو الصمود فيها لوقت طويل.
وقام أندروبوف على سبيل المثال، بأول مباردة جادة له عندما أخرج السوفيتيتين من حربهم في أفغانستان، وفتح خطوط مبدئية من التواصل مع واشنطن، حتى قبل ان تعترف موسكو أنها تقاتل هناك، وكان أندروبوف مستعداً للتخلي عن حليف أجنبي مشكوك فيه لإنهاء التزام مكلف، ليس فقط اقتصادياً وعسكرياً ولكن الأهم سياسياً أيضاً ( فهل تستمع لهذا أيها الرئيس السوري الأسد؟).
بوتين الذي يحاول تحدي الغرب وإعادة تشكيل النظام العالمي على خلفية اقتصاد روسي ضعيف ونظام فاسد، يجب أن يحذر، فما زال لديه حربه الغير معلنة في أوكرانيا والتي تكلفه الكثير من مصداقيته أمام المجتمع الدولي، وكان من المفترض لمغامراته الأخيرة في سوريا مساعدته في إعادة بناء الجسور مع الغرب، ولكن حتى الآن قادة مثل الفرنسي فرانسوا هولاند، يريدون المزيد من التعاون مع روسيا من دواعي براغماتية بحتة. 
وفي استطلاع لمركز" بيو" للأبحاث الذي صدر في تموز 2015، وجد أن ثقة العالم بالرئيس الروسي في أدنى مستوياتها بعد تدخله في سورية.

وكان الاقتصاد من الأسباب الرئيسية التي أرادها أندروبوف من وراء تحسين العلاقات مع الغرب، فهم يملكون الاستثمار والتكنولوجيا والمعرفة الضرورية لتحسين ركود الاقتصاد الروسي الذي كان يعتمد بشكل مفرط على صادرات النفط والغاز الطبيعي.
3-  يجب على بوتين بناء فريق سياسي على نطاق واسع، وليس من مجموعة من الحيوانات المستنسخة:
حتى بعد تدهور حالة أندروبوف الصحية، فقد كان هو من وضع الأساس لصعود غورباتشوف، وفعل ذلك بتأسيس فريق من الإصلاحيين بدءاً من الاقتصاديين الليبراليين والإصلاحيين في الحزب إلى القوميين والمتشددين، الذين كانوا مشمئزين من الفساد ومقتنعين بالتغيير.
أما بوتين، فعلى الرغم من أنه كان في الأصل على استعداد لتقدير وجهات النظر المتعددة، لكنه مع مرور الوقت، قام بتضييق دائرته الداخلية، التي تتكون الآن، عموماً، من نسخ مستنسخة عنه: من قدامى المحاربين في الأجهزة الأمنية.
4-  مواجهة الحقائق مهما كانت صعوبتها
إن فريق بوتين السياسي من الحيوانات المستنسخة هو مجرد عرض من أعراض عدم رغبته برؤية العالم وذلك يشمل روسيا، فعدم قدرته على فهم الضغوط والحقائق حياة في روسيا اليوم هو ما يثير الاحتجاجات ضده اليوم في البلاد. 
لقد كان أندروبوف أحد المدافعين الأخيرين عن نظام قمعي يحتضر، ولكن منهجيته في ذلك الوقت لن تفعل الكثير لمساعدة روسيا اليوم لتصبح دولة إصلاحية تلبي تطلعات شعبها.
فلقد ولى عصر روسيا- بوتين عام 2000، حين كانت أسعار النفط والغاز مرتفعة، والغرب مشوش بعد أحداث هجمات أيلول في نيويورك، ولن يستطيع بوتين أن يحيي أيام مجده كما قام أندروبوف بإنقاذ الاتحاد السوفييتي، ولكن إن أراد تعلم الدروس منه فعليه تطهير نظامه الفاسد، بناء الاقتصاد، والاستماع إلى فريق عمل يعطيه النصيحة الجيدة والمعلومة الصحيحة المباشرة دون مواراة، وربما تكون هناك فرصة باهتة لعدم انزلاق روسيا في ركود إن أوقف بوتين مغامراته الخارجية في سورية، المبهرجة والمحفوفة بالمخاطر.

مقالات متعلقة