بحث

روسيا تحتل سورية كاملة من الجو ... وأمريكا تسكت

Bloomberg View – ترجمة بلدي نيوز
أزمة جديدة تلوح في الأفق أمام الجهد الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، وهي بسب الكرملين، فقد توقفت الولايات المتحدة عن إرسال الدعم الجوي للثوار في جزء رئيسي من شمال سوريا_ نتيجة لتوسيع روسيا منظوماتها للدفاع الجوي هناك، في الوقت الذي تسعى فيه إدارة أوباما لمعرفة ما يجب القيام به حيال ذلك.
روسيا وسعت من عملياتها العسكرية داخل سورية في الأسابيع الأخيرة، من دون أي إشعار مسبق إلى الولايات المتحدة، كما إنها عطلت جهود قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لدعم قوات المناهضة للحكومة السورية والذين يقاتلون ضد تنظيم الدولة بالقرب من الحدود التركية- السورية، إلى الغرب من نهر الفرات، وفقاً لمسؤولين في إدارة أوباما و بوزارة الدفاع الامريكية.
هذا الجزء الهام من أرض المعركة_ والمعروف عسكرياً بـ "المربع 4"، يقع شمال شرق مدينة حلب وهو قريب جداً من الحدود التركية، حيث تقاتل مجموعات ثورية تنظيم الدولة من أجل السيطرة على المناطق بدعم جوي من المقاتلات الأمريكية.
لكن في وقت سابق من هذا الشهر، نشرت موسكو أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة (سام 17) بالقرب من المنطقة، وبدأت بمضايقة الطائرات الأمريكية والتسديد عليها بالرادارات، وهو ما وصفه مسؤولون أمريكيون بالاستفزاز المباشر والخطير.
من جهتها، أوقفت وزارة الدفاع الأمريكية جميع الطائرات، على الرغم من أن الطائرات "بدون طيار" مازالت تحلق في المنطقة، ومن ثم قام الطيران الحربي الروسي بقصف الثوار المناهضين لحكومة الأسد والمدعومين من قبل الولايات المتحدة.
داخل المستويات العليا من الإدارة الامريكية، يناقش المسؤولون ما ينبغي عمله، فالقضية في غاية الخطورة_ بما فيه الكفاية لتستدعي من وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" إثارة الموضوع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما الأخير يوم الثلاثاء، كذلك ناقش الجنرال الأمريكي "جون دانفورد" رئيس هيئة الأركان المركزية الأمريكية، الموضوع ذاته مع نظيره الروسي، وفقاً لقيادة السلاح الجو الأمريكي.
يقول الرائد الأمريكي تيم سميث "إن ازدياد عدد الأنظمة المضادة للطائرات  الروسية المتطورة في سورية بما في ذلك (سام 17) هو مثال آخر على أن روسيا والنظام السوري يسعون لتعقيد مهام الحملة الجوية للتحالف لمكافحة داعش".
وأردف سميث: "إن هذا العدد المتزايد من الأنظمة سيزيد من تعقيد وضع هو بالفعل معقد فوق سماء سورية، ولن يقدم شيئاً لمحاربة تنظيم الدولة التي لا تملك سلاحاً جوياً، بدلاً من ذلك ينبغي على روسيا الضغط على بشار الأسد للكف عن مهاجمة المدنيين".
في واشنطن، تجري مناقشات بين كبار مسؤولي الإدارة الامريكية على كيفية الرد على الدفاعات الجوية الموسعة من قبل روسيا، وفقاً لمسؤول في الإدارة لم يعط معلومات أكثر لأنه ليس مخولاً لنقاش المداولات الداخلية في الإدارة.
وقد تقرر الإدارة الأمريكية استئناف حملاتها الجوية لدعم الثوار في محاربة تنظيم الدولة، ولكنها بذلك ستكون عرضة لخطر وقوع حادث مميت مع الجيش الروسي، حتى الآن، يبدو أن الإدارة ستسكت في الوقت الحالي عن جهود روسيا الرامية إلى إبعاد الطائرات الأمريكية عن السماء السورية، وفقاً للمسؤول الأمريكي.
ومع استبعاد الطائرات الأمريكية عن الطريق، كثفت روسيا من غاراتها الجوية الخاصة على طول الحدود بين تركيا وروسيا، مع أن إدارة أوباما قد اتهمت الروس باستهداف الجماعات الثورية المدعومة من قبل الولايات المتحدة وليس تنظيم الدولة، بالإضافة إلى أنها تعيق وتستهدف المركبات التجارية القامة من تركيا إلى سورية، وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الضربات الروسية قد أدت أيضاً إلى توقف المساعدات الإنسانية من تركيا.
هذه التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وروسيا، تظهر بشكل عكسي في سياسة جون كيري الذي يركز جهوده لبدء عملية السلام بين النظام السوري والمعارضة.
ففي تصريحات له في الكرملين الثلاثاء، قال كيري أنه "ممتن للرئيس بوتين" ويتطلع إلى التعاون مع روسيا في الحرب ضد تنظيم الدولة، وسوف يجتمع كيري مع القادة الروس مرة أخرى الجمعة في نيويورك.
وقال كيري أيضاً: "أن الولايات المتحدة لا تسعى لـ (تغيير النظام) في سورية"، تصريح قد رآه الكثيرون كخطوة بعيدة عن دعوات مطولة من الولايات المتحدة للأسد أن يتنحى، كما قال كيري أن المحادثات الاخيرة بين الولايات المتحدة وروسيا لم تركز على وضع الأسد، مضيفاً أنه يعمل لتأسيس العملية السياسية التي من شأنها أن تسمح للمواطنين السوريين اختيار قيادتهم.

ماثيو مسينيس، وهو محلل إيران السابق للقيادة المركزية الأمريكية، ويعمل كباحث الآن في معهد أميركان إنتربرايز، يقول: "في حين تستمر الدبلوماسية بين أمريكا وروسيا، يواصل الجيش الروسي في تقوية وضع الأسد وتقييد عمليات التحالف الدولي، ويحاول الروس إنشاء مناطق حيث يجب أن يعطى الإذن للطائرات الأمريكية حتى تستطيع العبور، وبالتالي هم يحددون المشهد العسكري من خلال تصرفاتهم".
ويضيف مسينيس: "أن دبلوماسيين غربيين آخرين عبروا عن قلقهم حول مقدار استسلام الولايات المتحدة للموقف الروسي والسوري للحصول على وقف إطلاق النار، فهناك بالتأكيد بعض القلق حول مدى استسلام الإدارة وإلى أي مدى ستذهب في استيعاب الموقف الروسي من الأسد".
وقال روبرت فورد، سفير أوباما السابق في سورية: "إن للروس عامل آخر من وراء توسيع العمليات العسكرية وهو للضغط على تركيا حيث ساءت العلاقات الروسية التركية بعد حادثة اسقاط المقاتلة الروسية، كما أن تركيا تولي اهتماماً كبيراً لمنطقة (المربع 4) في سورية لأنها تدعم الجماعات العربية السنية التي تقاتل هناك، وتعمل سراً مع الولايات المتحدة".
وأضاف أن "الروس يقومون بذلك للضغط على الأتراك"، مضيفاً: "ذلك سوف يسبب مشاكل لبرنامج وكالة الاستخبارات المركزية".
إلا أن العدد الفعلي للطائرات الأمريكية التي تدعم الجماعات السورية في هذا المجال ليست كبيرة، وقد قال مسؤولون امريكيون أن وزير الدفاع "آش كارتر" قد قاوم أي حملة جوية شاملة لمساعدة الثوار في المنطقة لسببين: أولاً أن بعض الجماعات التي تقاتل تنتمي لألوية إسلامية ومنها جبهة النصرة، وثانياً، أن كارتر كان يفضل استراتيجية دعم الأكراد السوريين بالسلاح ليستطيعوا الاستيلاء على الأراضي الحدودية، وهو الأمر الذي رفضه العرب السوريين والأتراك، لأن سيطرتهم على "المربع 4" يعني أنه سيكون للأكراد دولة تمتد من البحر الأبيض المتوسط حتى الحدود العراقية الإيرانية.
إن نجاح أي جهد تقوده الولايات المتحدة لجلب الأسد إلى طاولة المفاوضات سوف يعتمد على الضغط على النظام السوري، ولكن في هذه اللحظة الحاسمة، يبدو أن الولايات المتحدة ليست فقط تقلل من الضغط، ولكنها أيضاً تسكت على الضغوط الروسية، وهذا لا يفيد فقط الأسد وروسيا بل أيضاً تنظيم الدولة.

مقالات متعلقة