أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الإثنين، تقريراً يتضمّن توصيات لتحقيق عدالة شاملة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، مؤكدة أن اللحظة الراهنة تمثل فرصة لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب.
وأوضح التقرير أن تحقيق العدالة يتطلب دعم مسارات مستقلة ومنصفة للضحايا والناجين، بغضّ النظر عن هوية الجناة، مع إشراك الضحايا والمجتمع المدني والخبراء في تصميم وتنفيذ آليات المساءلة. كما دعا إلى تعزيز التعاون بين السلطات السورية والهيئات الدولية، ومنها الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، ولجنة التحقيق الدولية، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والسلطات القضائية في الدول التي تعتمد الولاية العالمية.
وحثّت المنظمة السلطات السورية على إجراء إصلاحات قانونية شاملة، تشمل تطوير نظام الاحتجاز وملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية، بالتزامن مع الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية ومنحها اختصاصاً يشمل الجرائم السابقة. كما دعت إلى بناء إرادة سياسية وشراكات دولية داعمة للعدالة، بما يشمل اجتماعات دورية بين الجهات المعنية لوضع خيارات عملية للمساءلة.
وأشارت المنظمة إلى أن إنهاء حكم "البعث" بعد ستة عقود يتيح فرصة تاريخية لبناء مستقبل يحترم حقوق الإنسان، شرط معالجة انتهاكات جميع الأطراف خلال 14 عاماً من الثورة.
وشدّدت على التزام السلطات الجديدة، بموجب القانون الدولي، بالتحقيق مع المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة ومساءلتهم، معتبرة أن العدالة عنصر أساسي لحماية الضحايا وضمان استقرار الدولة بعد النزاع.
وعن الخطوات الحكومية المعلنة، لفتت المنظمة إلى إدراج مفهوم العدالة الانتقالية في الإعلان الدستوري، وإنشاء لجنتين محليتين مختصتين بالانتهاكات، إضافة إلى الترحيب بالقضية التي رفعتها هولندا وكندا ضد النظام السابق أمام محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك اتفاقية مناهضة التعذيب. لكنها أكدت أن هذه الخطوات تحتاج إلى إجراءات ملموسة تشمل جميع الضحايا.
كما أوضحت أن المحاكمات المحلية يمكن أن تسهم في كشف الحقائق ومحاسبة المرتكبين، لكن ضعف الإمكانات أو غياب الإرادة قد يعوقان جهود المساءلة. ودعت إلى اعتماد سياسات واقعية تضمن استقلال القضاء ونزاهته.
وبيّن التقرير أن تجارب العدالة الدولية تقدم نماذج متنوعة في تصميم آليات المساءلة، ويمكن الاستفادة من تجارب المنطقة والعالم لصياغة خيارات مناسبة للسياق السوري. وأكد أن المجتمع المدني السوري والدولي أسّس قاعدة مهمة عبر سنوات من التوثيق، بدعم دولي واسع.
وأضاف أن تحقيق عدالة شاملة يقودها السوريون يتطلب التزاماً سياسياً طويل الأمد، مع التركيز على المساءلة الجنائية العادلة، إلى جانب مسارات أخرى كالحقيقة وجبر الضرر وحفظ الذاكرة وضمان عدم التكرار. وشدّد على ضرورة إنشاء مؤسسات جديدة تلبّي احتياجات الضحايا، بما فيها معالجة آثار الجرائم المستمرة مثل الاختفاء القسري.
واختتم التقرير بالتأكيد على أن جهود العدالة يجب أن تُنفّذ ضمن إطار إصلاحات واسعة في سيادة القانون، لضمان بناء دولة تحترم حقوق الإنسان، وأن تُدار الملاحقات القضائية للجرائم الجسيمة وفق المعايير الدولية.