بحث

مراحل التدخل العسكري الروسي في سوريا وتقاسم المهام (جزء 2)

بلدي نيوز – (أيمن محمد)

بلدي نيوز يفتح ملف التدخل الروسي في سوريا.. الأهداف وطبيعة المواجهة (ج1)

متأخراً لكن ليس مستغرباً، مشهد الدبابات الروسية وهي تحول جزئاً مما تبقى بقبضة النظام في الساحل السوري إلى مستعمرة (سوفييتية) ترفع على أسوارها صور بوتين والأسد، ولم يعد ينقص اللاذقية سوى تمثال ضخم للينين لتعلن انضمامها الكامل للإمبراطورية القيصرية الروسية، خاصة بعد تحول دمشق لمستعمرة إيرانية تصول وتجول فيها ميليشيات طهران كيفما تشاء.

حليف ثانوي

على عكس دول حلف وارسو والدول الشيوعية والديكتاتوريات الاشتراكية التي دارت حول فلك الاتحاد السوفيتي، وحصلت بدرجات متفاوتة على كافة أشكال الدعم السوفيتي من سلاح وعتاد وتقنية ودعم سياسي، حصل نظام "البعث الأسدي" على دعم بالحدود الدنيا فعلياً على عدة صعد أهمها العسكري والسياسي.

فعلى عكس جميع الدول التي خضعت للشيوعية أو حتى الاشتراكية يوماً، لا تجد أي وجود واضح لأي مظاهر لوجود الاتحاد السوفيتي سابقاً في سوريا، فعدا عن أكوام الخردة السوفيتية المتفحمة في الشوارع، لا يكاد يوجد أي أثر أو انطباع أن هذه الدولة كانت يوماً ما دولة اشتراكية أو ارتبطت يوماً ما بالاتحاد السوفييتي، حتى اللغة الثانية للدولة هي الإنكليزية أو الفرنسية وليست اللغة الروسية.

 فلم يحصل النظام على شيء مميز من الدعم على كافة المستويات الاقتصادية والعلمية، وحتى المستوى العسكري، خلال حروبه كلها؛ فالتقنيات والأسلحة التي حصلت عليها الكثير من الدول التي دارت في فلك حلف وارسو تعتبر متقدمة مقارنة بما حصل عليه نظام الأسد الذي بقي في خانة الأصدقاء غير الموثوقين ليس أكثر.

وكل ما حصل عليه يعتبر نوعيات مخفضة المواصفات تتشابه مع الأسلحة الأصلية بالشكل الخارجي فقط، وتختلف كثيراً بالمضمون، فكثير من أنواع الأسلحة والتقنيات بقيت محرمة تماماً على نظام الأسد الذي يمكن القول أنه فعلياً لم يهتم بالحصول عليها، لمعرفته أنه لن يحتاجها في حربه مع اسرائيل (التي لن تأتِ)، إضافة لعدم ثقة السوفييت أساساً (بصديقهم) حافظ الأسد الذي عرفوا من أي معدن صنع، وأنه مرتمي في أحضان أمريكا بقدر ما هو تابع لهم.

وشهدت فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فترة شبه انقطاع للدعم الروسي لنظام الأسد، والذي عاد بشكل محدود بُعيد غزو العراق على أساس مصلحة بحت، فالبعد الأيديولوجي للدعم انتهى بانهيار الاتحاد السوفيتي الشيوعي وانتصار الرأسمالية، ثم لتدفع الحرب الأخيرة نظام الأسد لتسليم البقية الباقية من (الدولة) لروسيا وإيران، لتصبح العلاقة بين نظام بشار الأسد وروسيا مختلفة تماماً عما كان سابقاً، ولتتحول لشكل كامل من التبعية.

اليوم تجد روسيا في غربي سوريا أهمية كبيرة لها، سواء على المستوى الاقتصادي لما ظهر فيها ثروات أو المستوى الاستراتيجي، وسط تخوف روسيا من النهضة التركية وشبح الحرب في الجمهوريات السوفيتية المسلمة، كل هذه الأسباب وأسباب أخرى كثيرة دفعت روسيا لتدخل بكامل ثقلها (ظاهرياً على الأقل).

التهيئة للغزو

على الرغم من كل ما أشيع عن القوات العسكرية الروسية التي دخلت إلى سوريا ودخولها في معارك ضد الثوار إلا أنها لا تزال في طور (التجهيز للغزو) ليس أكثر.

كل ما ثبت أن الروس نشروه من الأسلحة والقوات حتى اللحظة لايزال بعيداً عن احتمالية حصول مواجهة مباشرة واسعة النطاق بين القوات الروسية والثوار خلال الأسابيع القليلة القادمة على أقل تقدير، فعدد الطائرات والدبابات والعربات المدرعة يوحى أن روسيا حالياً تسعى مبدئياً لتجهيز نقاط انطلاق للغزو المرتقب، عبر إنشاء قاعدة متقدمة لها في الساحل، وربما تتلوها تجهيز مجموعة من القواعد العسكرية الأخرى في المنطقة الوسطى والساحل والعاصمة دمشق.

فأي عملية في داخل الأراضي السورية تحتاج كما كبيراً من القوات وعدة مستويات من الدعم اللوجستي، بداية بالأسلحة والذخائر، وصولاً إلى كافة أشكال الدعم اللوجستي الذي يتطلب تواجد قاعدة أساسية يصل إليها هذا الدعم وتكون قادرة على استقباله ومن ثم توزيعه على المناطق التي تحتاجه.

فعلياً لا يوجد لدى نظام الأسد أي قاعدة مؤهلة لتقديم الخدمات اللوجستية للقوات الروسية حال اشتراكها في المعارك، لذلك تعمل روسيا على بناء هذه القواعد اللوجستية بشكل حثيث وسريع، إضافة لأهمية المينائين الموجودين لدى النظام لرسو السفن التي ستحمل القسم الأساسي من مكونات أي قوى روسية ستصل الى سوريا .

إذاً حتى اللحظة كل ما قامت به روسيا في سوريا لا يزال ضمن نطاق التجهيز للعمليات وليس العمليات بحد ذاتها.

المواجهة

ستستغرق عملية الإعداد للتدخل الروسي فعلياً عدة أشهر من التجهيز، ونقل القوات والإمدادات اللوجستية والأسلحة، وتهيئة النقاط التي ستسيطر عليها القوات الروسية وحمايتها بقوات مشكلة من قوات النظام، خلال هذه الفترة لن تشترك القوات الروسية بشكل كبير في المعارك التي ستحدث، بل سينحصر عملها في تجهيز المواقع الدفاعية أساساً وتحصينها وتهيئتها للمعارك.

ستقدم القوات الروسية مبدئياً عدة أشكال من الدعم لقوات النظام، الشكل الأول الدعم والإسناد الناري الغير مباشر من وحدات المدفعية والصواريخ تجاه خطوط المعارك في الساحل خصوصاً، والمناطق القريبة من نقاط سيطرة القوات الروسية.

 فقد بدأت فعلياً تتمركز بطاريات مدفعية روسية في عدد من المناطق وأولها مطار حميميم، والذي تظهر صور الأقمار الصناعية وجود عدد من مرابض المدفعية التي يعتقد أنها تعود للجيش الروسي.

الشكل الثاني وهو الضربات الجوية التي ستشنها الطائرات الروسية، والتي ستكون على عكس ضربات النظام الجوية أكثر احترافية وموجهة فعلياً تجاه البنية الهيكلية لفصائل الثوار.

ستستمر هذه الضربات بشكل مستمر وبوتيرة متفاوتة بناء على عدة عوامل حتى تبدأ المرحلة الثانية من التدخل العسكري، والتي تشمل دخول قوات روسية إلى المعارك بشكل حقيقي.

 لا يتوقع دخول هذه القوات بشكل منفرد إلى المعارك في أي نقطة بل ستكون في الأنساق المتأخرة تتقدمها قوات النظام والميليشيات الشيعية، أو ستوكل إليها مهمات ثانوية كالتمسك ببعض النقاط بعد سيطرة القوات المرافقة لها عليها، إضافة للإسناد المدفعي والصاروخي والجوي، وقيادة العمليات واستخدام الأسلحة غير التقليدية من كيماوي وبالستي.

لا يتوقع أن تنتشر القوات الروسية في عدد من المناطق الخطرة كمطار دير الزور المهدد بالسقوط أو في بعض مناطق درعا أو القنيطرة والسويداء، لكنها ستنتشر غربي سوريا على امتداد الخط الحيوي الرابط بين دمشق والساحل مروراً بحمص وحماة، ضمن قواعد محمية بإطار من قوات النظام والميليشيات الشيعية، لتتركز معظم معاركها خلال الفترة الأولى على تأمين المنطقة الساحلية، وتأمين نطاق آمن للقاعدة الأساسية المشكلة في مطار حميميم حتى عمق بحدود أربعين كلم على أقل تقدير جهة الشرق، لتصبح وجهتها الأساسية بعد تأمين هذه المنطقة صوب المناطق المفتاحية فقد تكون حلب أو غوطة دمشق هي المعركة الكبرى الأولى لهذه القوات.

تقاسم المهام

تدخّل القوات الروسية في سوريا لا يستهدف بشكل مباشر تنظيم "الدولة الإسلامية" على الرغم من كونه ضمن قائمة الأعداء المزعومين، فالتدخل الروسي في حقيقة الأمر موجه ضد الثوار بالدرجة الأولى، في حين يعتبر الصدام مع تنظيم "الدولة" هو الأولوية الثانية ضمن تقاسم الأدوار الغير معلن ضمن هذا التدخل.

فالتحالف الدولي يضرب التنظيم، وروسيا تضرب الفصائل الثورية الأخرى سواء إسلامية أو غير إسلامية، طالما أنها تصنف تحت بند "الإرهاب" بالمفهوم الروسي والعالمي، وحتى حسب مفهوم نظام الأسد.

بلدي نيوز يفتح ملف التدخل الروسي في سوريا.. الأهداف وطبيعة المواجهة (ج1)

روسيا في سوريا.. انتصارات على الورق وتناقضات تكشف التخبط (جزء3)

مقالات متعلقة