بلدي - نهى ملحم
استطاعت السيدة محاسن إبراهيم، في مدينة الصويري التابعة لريف حمص الغربي، أن تحوّل فكرة بسيطة إلى مشروع رائد بيئياً واقتصادياً، عبر تربية دودة "الفيرمي كومبوست" لإنتاج سماد عضوي يُعرف بـ"الذهب الأسود"، ولكن ليس لارتفاع ثمنه بل لتأثيره الرائع.
لم تكن البداية سهلة، فقد قضت محاسن أكثر من خمس سنوات في البحث والدراسة قبل أن تبدأ فعلياً بتربية الدود، عام 2019.
وفي حديث خاص لـ "بلدي" قالت: "بدأت المشروع من الصفر، وكنت أواجه الكثير من الاستغراب، لكنني كنت واثقة من نجاح الفكرة، خاصة في ظل الحاجة لبدائل آمنة للأسمدة الكيميائية".
وأردفت محاسن أن "الأرض كانت متعبة، والأسمدة الكيماوية لم تكن تعطي النتيجة المطلوبة.. بدأت بكمية صغيرة من الديدان في مترين فقط من أحواض التربية، مستخدمة مخلفات عضوية من المطبخ والمزرعة، واليوم المشروع كبر وأصبح مصدر دخل ومصدر فخر".

ما هو "الفيرمي كومبوست"؟
"الفيرمي كومبوست" أو "سماد الديدان" هو الناتج النهائي لعملية تحطيم المواد العضوية باستخدام ديدان الأرض المتنوعة. فالسماد العضوي الناتج عن هذه الدودة يتميز بقدرته العالية جداً على تحسين التربة وزيادة إنتاجية النبات، دون الإضرار بالبيئة.
وعن هذا المشروع قالت محاسن إن هذه الديدان تعيش في بيئة رطبة ومظللة، تتغذى على بقايا الخضار وقشور الفواكه والمخلفات النباتية، وتحتاج حوالي 45 يوماً لإنتاج سماد جاهز وغني بالنيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم والكالسيوم.
والنتيجة بحسب محاسن هي "ذهب أسود"، يرفع إنتاجية التربة، ويقي المحاصيل من بعض الآفات والأمراض الزراعية.
البعد التنموي للمشروع
الخبير التنموي أكرم العفيف، مؤسس مبادرة المشاريع الأسرية السورية التنموية والمجموعات المتفرعة عنها، تحدث لـ"بلدي" عن البعد التنموي لمشروع "الفيرمي كومبوست" كجزء من مبادرة المشاريع الأسرية السورية، وقال: "مشروع السيدة محاسن نموذج ناجح لتدوير النفايات العضوية، فالسماد الناتج يحسّن التربة ويحافظ على البيئة، ويمكن تعميمه في القرى بسهولة".
وأشار إلى أن "المشروع يعمل على تقليل النفايات المنزلية والزراعية، وخفض الروائح والملوثات، كما يعمل على توفير مصدر دخل للأسرة، وفرص تدريب ودخل لعائلات أخرى".
نشر الثقافة والتدريب
ضمن جهودها لنشر ثقافة الإنتاج المنزلي المستدام، أطلقت محاسن برنامجاً تدريبياً متكاملاً استهدف آلاف العائلات لإكسابهم مهارات تربية الدود وإنتاج الفيرمي كومبوست في جميع المحافظات السورية، بما فيها إدلب والقامشلي ودير الزور، إضافة إلى طلاب الجامعات في الكليات الزراعية.
وبالرغم من نجاح المشروع وانتشاره، تؤكد محاسن أن الدعم الرسمي لا يزال غائباً، ويحتاج إلى اهتمام واضح من الجهات المعنية، لتنظيم المهنة ومساعدة المزارعين في الاستفادة من هذه التقنية.
وإلى جانب مردوده البيئي، يوفر المشروع فرص عمل لكثير من العائلات الريفية، لا سيما النساء وكبار السن وذوي الدخل المحدود، ما يجعله نموذجاً لمشروعات صغيرة منخفضة التكلفة وعالية العائد.
السيدة محاسن إبراهيم نجحت في أن تجعل من "الدود" مصدر دخل جيد، والمخلفات إلى مصدر حياة، واستطاعت أن تنقل خبرتها إلى مربين آخرين، عبر تنظيم دورات تدريبية في عدة مناطق، حتى باتت اليوم تُعد من أبرز المدافعين عن الزراعة النظيفة والمستدامة في سوريا.