بحث

"أحـرار الشـام".. انقسامات داخلية حادة وصراع القادة

بلدي نيوز - (خاص) 

شهدت حركة "أحـرار الشـام" الإسلامية خلال الأيام القليلة الماضية نزاعاً بين مجلس الشورى التابع للحركة وقائدها من جانب، وقيادة الجناح العسكري للحركة من الجانب الآخر.

صراع أجنحة

النزاع الذي بدأ من عند "الباشا" بتوجيه أوامر إلى أحد الألوية التابعة للحركة بمهاجمة مقار الجناح العسكري في جبال اللاذقية واعتقال قادة الجناح الذين عارضوا قرار مجلس الشورى بتمديد قيادة الحركة لـِ "علي باشا" ودخول "هيئة تحرير الشام" على خط الصراع ومنع عملية الاعتقال، تحت ذريعة كون المنطقة قريبة من خطوط التماس مع النظام ولا تحتمل نشوب صراع عسكري فيها أو فراغ عسكري، لتبدأ بعدها حرب من البيانات بين الجناح العسكري من جانب وقائد الحركة من جانب آخر.

حيث وجه الجناح العسكري في بيانه مطلباً لمجلس شورى الحركة بعزل القائد الحالي "جابر علي باشا" وتعيين قائد جديد للحركة، والطلب من الشيح "حسن صوفان" قيادة المرحلة الحالية ريثما يتم الاتفاق على القائد الجديد، إلا أن الباشا واجه المطلب بقرار يفضي إلى عزل جميع قادة الجناح العسكري المطالبين بإقالته وتعيين قادة جدد من الموافقين على قرار التمديد، وتلى القرارين الأخيرين سجالاً واتهامات متبادلة بين كل من جابر علي باشا وحسن صوفان.

وفي وقت لاحق دعت "الجبهة الوطنية للتحرير" إلى تشكيل لجنة مبادرة للعمل على جمع طرفي الخلاف والسعي لتقريب وجهات النظر والعمل على رأب الصدع، باعتبار أن الحركة هي من مكونات "الوطنية للتحرير"، كما دعت طرفي النزاع إلى التعالي على الخلافات وتغليب لغة الحوار ونبذ الانقسام والتنازع.

انقسامات

وتشير المعطيات الأخيرة إلى أن الحركة باتت منقسمة على بعضها، حيث كان يعتبر مجلس شورى الحركة سابقاً المرجعية الأولى والأخيرة في الحركة، إلا أن اصطفاف مجلس الشورى مؤخراً خلف القائد الحالي والتمديد له واعتراض الجناح العسكري على التمديد، وسعي الباشا لعزل معارضيه بعد تثبيت التمديد أحدث شرخاً في الحركة، فضلاً عن كون الحركة تشهد لا مركزية بالإضافة للتباعد الجغرافي بين مجلس الشورى وقيادتها المتمركزة في مناطق الجيش الوطني والجناح العسكري المتمركز في مناطق ريف إدلب واللاذقية.

ولادة بعد موت

وبالعودة إلى تاريخ "أحـرار الشـام"، فقد عصفت بالحركة العديد من الأحداث ومرت بالعديد من المنعطفات التي تسببت بفقدان الحركة سطوتها وساهمت في تقوقعها واضمحلالها، حيث انطلقت الحركة من سهل الغاب على يد مؤسسها " حسان عبود" الملقب بـِ "أبو عبدالله الحموي" والذي أعلن انطلاقها في أيار عام 2011 تحت شعار "مشروع أمة" ثم توسعت وضمت العشرات من الكتائب، ومرت بعدة تجارب للتوحيد أبرزها "الجبهة الإسلامية" والتي تلاها بفترة زمنية قليلة اغتيال قادتها المؤسسين من الصف الأول والثاني دفعة واحدة في شهر أيلول عام 2014، في عملية غامضة سُجلت ضد مجهول.

ودخلت الحركة بعد عملية الاغتيال فترة من الجمود بعد تعيين هاشم الشيخ "أبو جابر" قائداً لها، وشهدت العديد من المحاولات للعودة إلى الساحة العسكرية أبرزها معركة "زئير الأحرار" على معامل الدفاع في السفيرة جنوب شرق حلب، إلا أنها باءت بالفشل، ثم انتقلت الحركة من حمل شعار "مشروع أمة" إلى شعار "ثورة شعب" الأمر الذي فسره مراقبون حينها بأنه انقلاب أبيض للتقرب من الشعب في ظل تنامي نفوذ "تنظيم القاعدة"الذي حمل الشعارات الإسلامية.

ولم تدم فترة الجمود للحركة طويلاً، ففي نهاية العام 2014 عادت الحركة إلى الواجهة بقوة وساهمت بتحرير معسكري الحامدية ووادي الضيف في معرة النعمان، ثم دخلت في عام 2015 في جيش الفتح وكانت أبرز أعمدته والذي كانت باكورة أعماله تحرير مدينة إدلب وطرد قوات النظام إلى سهل الغاب بحماة.

وعقب انتهاء ولاية "هاشم الشيخ" واعتذاره عن قبول التمديد، اختار مجلس الشورى المهندس مهند المصري الملقب بـِ"أبي يحيى"، واتسمت مرحلة قيادته بتحولات جذرية في سياسة الحركة، وكانت علامة فارقة في تاريخها، حيث التفت إلى العناية بالشؤون المدنية وإهمال الشق العسكري الذي تسبب بخلافات وشقاق كبير في الحركة وخروج كتلة كبيرة من الحركة وانشقاقها عنها وتشكيل "جيش الأحرار" بقيادة هاشم الشيخ.

حرب باردة

دخلت بعدها الحركة في صراعات وحرب باردة في بداية الأمر مع "هيئة تحرير الشام" على الإدارات المدنية والمجالس المحلية ومجالس المحافظات والمعابر والقمح والكهرباء وصلت إلى حد التعطيل بين الفصيلين دونما مراعاة تضرر المدنيين من الصراعات الأخيرة، لتتحول الحرب الباردة إلى حرب علنية في عام 2017 وذلك بعد تسلم "أبو عمار العمر" قيادة الحركة والذي شهدت ولايته خسارة في القدرات العسكرية على الأرض أمام تحرير الشام، بالإضافة إلى تراجع مفعول الحركة السياسي وفقدانها للكثير من أبواب الدعم الخارجي والدعم الداخلي بعد فقدانها المعابر.

وعلى إثر الخيبات المتتالية للحركة، اختار مجلس الشورى "حسن صوفان" الخارج حديثاً من معتقل صيدنايا قائداً عاماً لها، وعمل خلا ل فترة قيادته على إعادة بناء الحركة وتشكيل تحالفات مع خصوم تحرير الشام والسعي لفرض واقع جديد على "تحرير الشام"، إلا أن الصوفان لم يستمر طويلاً في مشواره وانتهت ولايته في منتصف عام 2018 دون تمديد، ليخلفه "جابر علي باشا" الذي وافق على اندماج الحركة في الجبهة الوطنية للتحرير التابعة للجيش الوطني. 

موت سريري

وكان الاندماج شكلياً وحافظت الحركة على اسمها ومواقعها، ولتعود في عام مطلع 2019 للمواجهة العسكرية مع "تحرير الشام" والتي خسرت فيها الحركة معظم مناطق سيطرتها في سهل الغاب وجبل شحشبو وريف حلب، قبل أن توقع الحركة مع "تحرير الشام" اتفاقاً أعلنت فيه عن حل نفسها بشكل كامل وليغدو وجودها عبارة عن كتائب ومقار متفرقة وبعدة ومعتاد محدودين، واختيار الخروج إلى مناطق درع الفرات بالسلاح الفردي لإعادة تشكيل نفسها.

ويرى متابعون للوضع الداخلي أن الخلاف الأخير في "حركة أحرار الشام" يثبت فعلياً بأن الحركة قد عجزت بعد العديد من المحاولات في إعادة أمجادها، ولم تستفد من تجاربها السابقة، وعلى العكس تماماً فإن الهوة بين مكوناتها العسكرية ومجلس الشورى تزداد بشكل يومي، لتصبح على حافة هاوية قد تفضي إلى نهايتها بشكل كامل بعد مسيرة حافلة بالتناقضات والصراعات الداخلية والصدامات التي كانت أبرز أسباب عدم مركزيتها وتفككها والذي كان العامل الأهم بخساراتها المتكررة في الساحة السورية بعد سنوات من النجاح والتقدم.

مقالات متعلقة