Mail Online – ترجمة بلدي نيوز
في ليلة قائضة الحر في شرم الشيخ، واحدة من الوجهات السياحية الأكثر شعبية في الشرق الأوسط، كانت الأحداث إلى حد كبير كأي مساء آخر، تم التحقق من تذاكر الركاب في المطار، ختمت جوازات السفر، وغفى بعض الناس على مقاعدهم في الطائرة، وبكى بعض الأطفال.
في الخارج، تريث سائق سيارة أجرة قليلاً عندما لمح شيئاً يبرق بعيداً في السماء، كان ذلك الطائرة الروسية "ميترو جيت 9268" والتي غادرت في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم في 31 تشرين الأول، حاملة على متنها السياح الروس الذين أمضوا عطلتهم على البحر الأحمر باتجاه مدينة بطرسبرج الروسية.
القبطان الروسي، وهو من قدامى المحاربين ويدعى" فاليري يوريفيتش نيموف" لديه 12.000 ألف ساعة من الخبرة في الطيران، وكانت كل سجلات السلامة في الطائرة على أتم الاستعداد، على الرغم من ضرر سابق في ذيل الطائرة _ كان قد أصلح عام 2001.
تحركت الطائرة بوقت قليل قبل الساعة 4 صباحاً، وعلى متنها 217 راكباً، مع طاقم الطائرة المكون من سبعة أشخاص، ومن ثم أقلعت بسلاسة لارتفاع 31.000 ألف قدم، وكانت في الدقيقة الـ23 من زمن رحلتها باتجاه الشمال على شبه جزيرة سيناء، عندما وقع الكابوس.
وقع انفجار أدى إلى تحطيم الجزء الخلفي من الطائرة وانقسمت الطائرة على أثره إلى قسمين ومن ثم تحطمت على الأرض، وتم العثور على جثث لا يزال الكثير منها مربوطاً إلى مقاعدهم، منتشرة في دائرة نصف قطرها 30 ميل.
يقول الخبراء أن ما حدث في الطائرة كان ضغطاً شديد "مثل إعصار" قد دمر الطائرة من الخلف إلى الأمام، ومزق أي شيء - وأي شخص ليس مربوطاً- في دوامة من الأجسام المحمولة جواً والمتطايرة في المقصورة.
بعض المسافرين قد ماتوا بسبب فقد الأكسجين، في حين قتل آخرين من صدمة التحطم على الأرض، ولكن الإصابات التي يعاني منها من كان يجلس في المقاعد الخلفية كانت مختلفة بشكل ملحوظ، فوفقاً لمصادر روسية، عانى الركاب في القسم الأمامي من الطائرة من "صدمات حادة في الصدر والبطن والحوض، مع كسور متعددة في الأطراف العلوية والسفلية وصدمات في الأعضاء الداخلية.
أما الركاب الجالسين في مؤخرة الطائرة فقد عانوا من صدمة انفجار مع حروق متعددة بنسبة أكثر من 90 % على جلدهم، كما تخللت أجسادهم شظايا.
وكان تنظيم "الدولة الإسلامية" قد ادعى مسؤوليته عن هذا العمل المروع للقتل الجماعي، ونشر بعد ذلك صور لمشروبات قد أخفي فيها جهاز التوقيت والمتفجرات، والتي ادعى المتطرفون أنه قد تم تهريبها إلى الطائرات، وتفجيرها بعد اقلاعها.
إلا أن المتطرفين قد بدوا وكأنهم لا يملكون التفاصيل الصغيرة حول ما حدث فعلاً، كما كانت أيضاً السلطات المصرية على الأرض، في الساعات الأولى بعد وقوع الكارثة، غير متأكدة من سبب سقوط الطائرة.
بدلاً من ذلك، وفي بيان مقتضب وغامض ولافت للنظر، أدان التنظيم "الصليبيين الروس لتورطهم في سوريا، وحذر من أن الكفار لن يكونوا بأمان في بلاد المسلمين ولا في أجواءها"، وأن "جنود الخلافة قادرون على إسقاط طائرة روسية على محافظة سيناء".
وإن كان بيانهم يوحي بأي شيء ضمنياً، فهو يقول بأنهم قادرون على إسقاط الطائرة إلى الأرض وليس على وضع قنبلة فيها!
ما لم يأت ذكره أبداً هو أن هذا العمل الإرهابي قد أدى إلى تحول زلزالي غير عادي في السياسة العالمية بين خصمين سابقين وهما "بريطانيا وروسيا".
فعلى الرغم من العقوبات التي فرضت على نظام موسكو بشأن تدخله في أوكرانيا، فقد أدلى ديفيد كاميرون على الفور عن جهود بريطانيا لتحسين العلاقات مع روسيا بالاتصال هاتفياً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإخباره أن الشعب البريطاني "يتقاسم الألم والحزن" مع الشعب الروسي.
من جهته عبر بوتين عن سعادته بالدعوة، ورحب بعرض كاميرون لمساعدة روسيا في تعقب الجناة، كما تعهدت القوى العالمية الأخرى - بما في ذلك فرنسا وألمانيا والصين - على تضامنهم مع روسيا بشأن الحادثة.
الرأي العام، سواء في روسيا أو دولياً، وقف وراء بوتين بعد أن أقسم على الانتقام بلا رحمة من تنظيم الدولة، وفي غضون أيام من سقوط الطائرة، بدأت روسيا قصفها على سورية.
ولكن هل قصة انفجار الطائرة الروسية منطقية وهل هناك تفسير آخر قد يكون مزعجاً جداً للطريقة التي تمت بها تفجير الطائرة في السماء؟
هناك رجل يعتقد ذلك بالتأكيد: بوريس كاربيشكوف وهو جاسوس سابق كان يعمل لدى الـ "كي جي بي" جهاز المخبرات الروسية والمسمى الآن "إف إس بي"، وهو يعيش الآن تحت هوية جديدة مع زوجته وعائلته في مكان سري في انكلترا بعد فرارهم من روسيا خوفاً على حياته.
ادعاءاته المثيرة قد لا تصدق للوهلة الأولى، حيث أشار إلى أن الكرملين وليس تنظيم "الدولة" من قام بتفجير الطائرة، وأن بوتين أمر بسرية بأن تتم هذه المأساة حتى يستطيع الحصول على تعاطف العالم، في وقت كانت روسيا منبوذة بسبب عدوانها على أوكرانيا، بالإضافة إلى كسب تأييد الغرب لضرباته على التنظيم والتي في الحقيقة تستهدف الجماعات المعارضة في سورية التي تقاتل (حليفه بشار الأسد).
قد يكون ما قاله العميل السابق للمخابرات الروسية مجرد افتراء، كونه يدعي أن المخابرات الروسية ما زالت تدين له ببعض المال، وهو من انتهى به الأمر إلى السجن قبل أن يلوذ بالفرار الى بريطانيا.
ولكن قضيته تستحق أن تثبت، لا سيما في ضوء تاريخ الدعاية السوداء المنبثقة عن بوتين ورفاقه في الكرملين، كما أن حجته تبدو مقنعة.
ووفقاً لكاربيشكوف ،فقد وصلته معلومات من ملازم أول عام في ""GRU (واحدة من العديد من الاستخبارات العسكرية الروسية)، حيث قال له الرجل، أنه في الوقت الذي سبق تحطم الطائرة، أعرب بوتين عن مخاوفه لحلفاء الكرملين من (خسائر محتملة في النفوذ السياسي الروسي في سورية والشرق الأوسط) وأنه يشعر بالقلق على حليفه التقليدي في المنطقة "الأسد" نظراً لدعم الغرب للجماعات المعارضة التي تريد تنحيته.
وزعم أن مسؤولون داخل "GRU" حاكوا خطة لعكس النفوذ الروسي المتراجع في المنطقة _ أو كما يزعم الرائد كاربيشكوف، وكما قيل له من قبل مصدر رفيع - إلى "قتل اثنين من الأرانب برصاصة واحدة".
وكان الهدف هو الحصول على "موافقة دولية صامتة على الأقل، لشن عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد أعداء الأسد تحت غطاء حملة ضد الإرهابيين المتهمين بتفجير طائرة ركاب روسية، والحصول على دعم بمليارات الجنيهات لصفقات أسلحة روسية مع الشرق الأوسط".
كل ذلك تم تلخيصه في ملف جمعه العميل السابق يقول فيه: من أجل تحقيق كل هذه الأهداف والحصول على الموافقة الغربية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (والتي كانت، في جوهرها دعماً رسمياَ من أجل الحفاظ على نظام الأسد في السلطة)، "كان الكرملين بحاجة ماسة إلى نوع من التبرير الذي من شأنه أن يولد اهتماما عالميًا وتعاطف دولي كامل وموافقة على العمل العسكري ".
كاربيشكوف، والذي تخرج من أكاديمية المخابرات الروسية في مينسك، كان قد درس فيها كيفية القتل بيديه العاريتين وكذلك كيفية تنفيذ مهمات أخرى تسمى بـ "الوظائف الرطبة" وهي قتل هدف دون ترك أي أثر.
يقول كاربشكوف: "عندما تم الاتفاق على العملية، أرسل متخصص بـ (العمليات الرطبة) إلى شرم الشيخ، حيث يقضي الآلاف من الروس عطلهم هرباً من جو بلادهم البارد، ومن ثم قام العميل المرسل بانتحال شخصية المقاتل الذي كان يتعافى في البحر الأحمر بعد أن خدم في أوكرانيا، ليتعرف إلى امرأة روسية شابة في المنتجع، ويبدأ قصة حب".
وعندما توجب على المرأة أن تغادر لسانت بطرسبرج، قدم لها الوكيل الروسي هدية لتسليمها إلى والديه في روسيا – حتى أنه اصطحبها من خلال تراخي الأمن المعروف في مطار شرم الشيخ قبل أن تستقل رحلة "الميترو جيت" والتي لاقت مصيرها في ساعة مبكرة ذلك اليوم.
الهدية كم يقول كاربشكوف كانت عبارة عن قنبلة بالإضافة إلى مفجر معروف باسم " EHV-7" وهو منتج حصري لجنود القوات الخاصة، أما المواد المتفجرة فكانت "سيكلونيت"، وهي بديل قوي للغاية عن TNT.
وقد اقترح كاربيشكوف أن القنبلة كانت على الأرجح قد وضعت تحت مقعد "30 أ" أو "31 أ" للفتاة ماريا ايفلفا (15 عاماً) وأمها، من منطقة سان بطرسبرج، فهل يمكن أن تكون هذه الفتاة من حملت القنبلة دون أن تدري!
ومع أن ذلك ليس بالشيء العادي، إلا أن المزاعم التي تدور حول حادثة سيناء ليست ببعيدة المنال، فبوتين كان قد استخدم مسبقاً الأسلوب الإجرامي ضد شعبه لحشد التأييد للحرب من قبل، ففي عام 1999 وخلال ولاية بوتين الأولى منذ توليه الرئاسة بعد وصوله إلى السلطة بعد عمله كجاسوس KBG، اتهم بالوقوف وراء التفجيرات الشائنة لأربعة مبان سكنية في موسكو وكذلك في مدن بويناكسك وفولجودونسك.
وخلال 24 ساعة من سلسلة التفجيرات التي دمرت المباني السكنية، وأسفرت عن مقتل 307 مدني، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 1700، اتهم بوتين المقاتلين الإسلاميين في الشيشان بالعملية - وشن هجوما جوياً مدمراً على المنطقة.
ووفقاً لبوتين والموالين له، صدر أمر التفجير من قبل أمراء الحرب الإسلاميين، الذين كانوا يحاولون نشر الفوضى بين السكان الروس، وفيما كان بوتين يشن حرباً ضد أعدائه في الشيشان، ألقي القبض على ثلاثة جواسيس من الكرملين من قبل الشرطة المحلية الذين اتهموهم بزرع أجهزة.
وفي الوقت نفسه، تم احباط مؤامرة قنبلة أخرى، عندما قامت الشرطة الروسية بتتبع مكالمات مشبوهة، كانت تناقش "أعمال إرهابية" إلى رقم في موسكو، تبين لاحقاً أنه يعود إلى أمن الدولة الروسي، وأفرج عن المشتبه بهم في وقت لاحق، بعد أن أظهروا هوياتهم الرسمية كعملاء مخابرات.
أما الأكثر إدانة، فهو عندما اتضح أن مسؤول روسي قد أعرب عن تعازيه عن تفجيرات مبنى سكني في خطاب رسمي لاجتماع المجلس - قبل ثلاثة أيام من الانفجارات.
وبناءً على ذلك، تم تشكيل لجنة برلمانية خاصة للتحقيق في المؤامرة عام 2000، وقد رفضت حكومة بوتين التعاون مع لجنة التحقيق، ومن ثم لقي اثنين من أعضاء اللجنة مصرعهم في عمليات اغتيال واضحة، وحكم بالسجن على محاميها الكبار، ولاحقاً، اتهمت اللجنة الإسلاميين والانفصاليين الشيشان بتفجيرات المباني.
الكسندر ليتفينينكو، الجاسوس السابق لـ KGB والذي فر إلى بريطانيا وقُتل في وقت لاحق من قبل اثنين من عملاء المخابرات الروسية، كان قد زعم أيضاً - جنباً إلى جنب مع العديد من الحلفاء السابقين لبوتين – بأن تفجيرات المباني جاءت بناءً على أوامر الكرملين، لكسب تأييد الرأي العام للحرب على الشيشان.
بعد فترة وجيزة من هذه المزاعم، قتل ليتفيننكو مسموماً على يد عملاء الروس، الذين وضعوا البولونيوم 210 - مادة مشعة قاتلة - في الشاي خلال لقاء له في فندق الميلينيوم في جروسفينور سكوير في لندن، و توفي متعذباً بعد عدة أسابيع.
من جهتهم، رفض المسؤولون الروس بغضب كل مزاعم العملاء السابقين قائلين أن "النظرية التي تقول أن بوتين قد فجر الطائرة عمداً تأتي من شخص مريض عازم على الانتقام"، وفقاً لمصدر من المخابرات الروسية.
ربما هذا صحيح. ولعل مزاعم كاربيشكوف من الخيال أو هي محاولة لتشويه الكرملين _ كجزء مما يسمى في عالم المخابرات "Wilderness of Mirrors" حيث لا شيء ولا أحد يبدو كحقيقته.
أو ربما نحن نعيش حقاً في وقت من الممكن فيه أن يفجر فيه أحد شعبه من أجل مبيعات الأسلحة والنفط والسلطة، ولذلك من أجلنا جميعاً، دعونا نأمل بأن كاربيشكوف مخطئ حول حقيقة ما حدث.
عميل سابق في المخابرات الروسية: بوتين أمر بتفجير الطائرة الروسية فوق شرم الشيخ
السبت : 26 ديسمبر 2015
