بحث

أهداف روسيا في سوريا مختلفة عن "الأسد" وإيران.. لهذه الأسباب

بلدي نيوز – (متابعات) 
يبدو أن روسيا تمنع تحقيق الأسد لانتصار ساحق في محاولة منها لتعزيز مكانتها الدولية. انتهت جولة أخرى من محادثات جنيف حول سوريا، بدون أي نتائج ذات مغزى.
وفي غضون ذلك، تستمر المناورة الروسية الموازية في الإلقاء بظلالها على جهود الأمم المتحدة لإنهاء الأزمة،  فلا تزال جهود موسكو -وتحديدًا "خطتها لوقف التصعيد" من أجل إنشاء مناطق آمنة لجماعات المعارضة التي تدعمها تركيا ودول الخليج، والولايات المتحدة، وأوروبا- غريبةً إلى حد ما.

 إذ يبدو أن خطة روسيا تقع على النقيض مباشرة من الهدف المعلن لعميلها رأس النظام بشار الأسد، الذي يقضي باستعادة "كل شبر" من البلاد. في محاولتها للسماح بمناطق آمنة، قد تكون روسيا في واقع الأمر تتعمد منع تحقيق الأسد لانتصار ساحق، حسب ما ترجم موقع "الجزيرة نت" عن الموقع الأمريكي "defenseone" المهتم بالأمن القومي الأمريكي.

ولا تسمح روسيا، على ما يبدو، للجهات الخارجية الفاعلة بأن يُبقوا على موطئ قدم لهم داخل سوريا وحسب بل إنها تشجعهم على ذلك. إذ إن الإبقاء على القوى العالمية والإقليمية على الطاولة يسمح لروسيا بأن تحكّم مصالحهم في مستقبل سوريا وتستفيد من نفوذها على نظام الأسد، وفي المقابل، سوف يبدّد إخراج القوى المتنافسة من سوريا وتأمين البلاد كلها من أجل الأسد فرصةَ موسكو للارتقاء بنفسها فوق المسرح الدولي أكثر من ذلك.

بدأت الجهود الدبلوماسية الروسية بأخذ منحى جدي بعد الهجوم الذي شنه الأسد في 2013 بالأسلحة الكيمائية على الغوطة، لتضع بعد قليل ترتيبات سلّم بمقتضاها بشار الأسد كامل مخزونه من الأسلحة الكيميائية في مقابل عدم تنفيذ ضربة عسكرية أميركية ضده. نجح الاتفاق في هذا الوقت على ما يبدو، وهو ما عزّز من مكانة روسيا الدولية بوصفها متباحث باسم النظام . ليتوسع الدور الدبلوماسي الروسي منذ ذلك الحين، و في أعقاب التدخل الروسي عام 2015 باسم الأسد الذي أُضعفت قوى نظامه، صارت روسيا أكثر انخراطًا في محادثات جنيف، والعمل على الوصول إلى وقف الأعمال العدائية بين الطرفين المتقاتلين في أواخر 2015 و2016، وكثير منها ولّد فترات انخفضت فيها وتيرة العنف.

 إذا أرادت روسيا أن تؤمّن فوزًا ساحقًا للأسد، لكانت بقيت فقط في جنيف وسمحت باستمرار المحادثات الدولية دون تحقيق نجاح ذي مغزى، كان من الممكن لموسكو أن تزعم أنها تسعى نحو تسوية سلمية وتساعد بالتزامن مع هذا الأسد في استعادة مزيد من الأراضي. وكانت فقط ستلقي باللوم من فشل الوصول إلى تسوية من خلال المفاوضات على المتطرفين في صفوف المعارضة. لم تفعل روسيا سوى هذا، فقد ساعدت الأسد على استعادة مزيد من الأراضي وألقت باللوم من الفشل الدبلوماسي على كاهل المعارضة، لكنها اتخذت أيضًا خطوات استباقية حتى تحبط تحقيق الأسد لانتصار ساحق.

في (ديسمبر/كانون الأول) الماضي، دعت روسيا تركيا وإيران وعديدًا من المشاركين في الأزمة السورية إلى محادثاتها الموزاية، والمنفصلة عن جهود الأمم المتحدة، فقد أسفرت لقاءاتهم في العاصمة الكازاخستانية أستانا، عن قرار بوقف الأعمال العدائية، التي خففت -رغم حدوث بعض الخروقات- من وطأة العنف الدائر بين النظام والمعارضة.

وفي مطلع (مايو/أيار)، نفذت روسيا تحركها الأكثر جرأةً حتى الآن، عندما أقرت في أعقاب الجولة الرابعة من محادثات أستانا"خطة لوقف التصعيد" وهو ما أنشأ أربع مناطق آمنة ظاهريًا، وهي: محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، وريف حمص الشمالي، والغوطة الشرقية، ودرعا، وفي المقابل، لم يرفض الأسد، الواقع تحت الوصاية الروسية، الفكرة الداعية لإنشاء هذه المناطق الآمنة حتى وإن كانت تطالبه بالتنازل فعليًا عن مطالبته باستعادة أجزاء رئيسية من الأراضي السورية. كما يرجح أن الأسد يحدوه الأمل في أن تفشل الخطة، مما يسمح له باستكمال جهوده لاستعادة الأراضي مثلما فعل من قبل حينما انهارت اتفاقات وقف الأعمال العدائية السابقة.

بيد أن خطة روسيا الحالية تمتلك الإمكانية لأن تكون أكثر متانةً من اتفاقات وقف الأعمال العدائية السابقة، في ظل ترحيبها بوجود البلاد المتنافسة داخل سوريا. تفسح القوات الروسية فعليًا المجال أمام القوات التركية في الشمال، وقد وصلت موسكو إلى اتفاقية منفصلة بوقف الأعمال العدائية في الجنوب، الذي يشمل منطقة درعا الآمنة، وتشترط مشاركة أميركية وأردنية. حتى أن تقاريرًا أفادت بأن روسيا تحاول تغيير تفويض قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، التي كانت تراقب وقف الأعمال العدائية بين سوريا و"إسرائيل" منذ 1974، وجعلها قوة مسلحة يمكنها الإبقاء على اتفاقيات وقف الأعمال العدائية في الجنوب. وإذا انخرطت كل هذه القوى الأجنبية ظلت مشاركِة -ولاسيما على الأرض- لن يتمكن الأسد بسهولة من قلب المسار وشن اعتداء على هذه المناطق في المستقبل. 

إذ إن اعتلاء صراع متعدد الأوجه تحاول فيه القوى العالمية والإقليمية ترسيخ مصالحها يقدم فرصةً إلى روسيا. وطالما يحافظ هؤلاء اللاعبون الخارجيون على مصالحهم في سوريا ويريدون أن تبقى البلاد موحدة، وطالما تُبقي روسيا على نفوذها على دمشق، سيتحتم على باقي دول العالم حينئذ أن تزاحم روسيا حول سوريا. فأي جانب يرغب في الانخراط في دولة سورية مستقبلية موحدة -سواء كان ذلك استثمارًا في جهود إعادة البناء أو التعامل في الشؤون الأخرى- سيتحتم عليه المرور عبر بوابة موسكو. وإن رفضوا، سيقوّض نظام ما بعد الصراع الذي تسيطر عليه روسيا، مما سينتج عنه استئناف العنف، وعدم الاستقرار الكبير في المنطقة، وموجات شديدة من تدفق اللاجئين ، ربما تكون أشد من هذه الموجات التي شهدها عام 2015، وذلك في حال انتشار الصراع إلى مدن سوريا الرئيسية.

وبوصفها الحكم في صراع كان له تأثير بالغ على المنطقة وما وراءها، يمكن لروسيا أن تصد محاولات الاتحاد الأوربي، لزيادة العقوبات وتشتت النقد الذي تواجهه بسبب أفعالها في أوروبا الشرقية، وتحرج أيضًا ما تراه صورة ضعيفة من الولايات المتحدة ، التي تفقد مكانتها في الشرق الأوسط والعالم.

وإن كانت روسيا بدلًا من هذا بصدد التخلي عن خطتها لوقف التصعيد ومساعدة الأسد على استعادة "كل شبر" من سوريا، لكان من الممكن لموسكو أن تقلل من أي نفوذ وتستفيد من ذلك من أجل إبعاد النفوذ الأجنبي المؤيد للمعارضة وترسيخ وضع البلاد باعتبارها دولة منبوذة. علاوة على هذا، قد تكون روسيا بطريقة ما تسلّم الأسد -الذي لم يعد يعتمد على الدعم الجوي الروسي- إلى إيران، التي تتنافس معها موسكو تنافسًا حثيثًا على بسط نفوذهما على دمشق.

تأتي العوائق التي تواجه روسيا في الأساس لتطبيق خطتها لوقف التصعيد من جانبها. إذ إن إيران لا تستطيع أن تستخدم الصراع السوري لتعزيز مكانتها الدولية بنفس الطريقة التي تستطيع روسيا القيام بها، ومن ثم فإنه يرجح بدرجة أكبر أنها تساعد الأسد لتحقيق انتصار شامل، ولا سيما إن كان هذا يعني استطاعة المجموعات المدعومة إيرانيًا العمل بدون قيود في مناطق عديدة من البلاد. وبالفعل، تقدمت مجموعات مدعومة إيرانيًا في أواخر (أيار/ مايو) نحو قاعدة أميركية تقع على الحدود بين سوريا والعراق رغم ترتيبات منع نشوب الصراعات بين الجانبين الروسي والأميركي، وهو ما يهدد الجهود الدبلوماسية الروسية.

في غضون ذلك، استمر الأسد في قصف درعا والغوطة الشرقية، متجاهلًا المناطق الآمنة التي أنشأتها روسيا هناك. وإذا استطاع الزعيم السوري تعطيل خطة عدم التصعيد واستعادة مزيد من الأراضي، سوف يكون حينئذ أقل اعتمادًا على الدعم الجوي الروسي وأكثر انجذابًا نحو الجانب الإيراني. ثمة احتمالية متزايدة من استشعار روسيا بالضغط من أجل موازنة مُضيها قدمًا في خططها الدبلوماسية بمساعدة الأسد لتحقيق مكاسب مستمرة لكي تبقيه سابحًا في فلك موسكو. غير أن الأمر إن سار بعيدًا عن هذا السياق، فقد تخسر نفوذها على عميلها.

ينبغي على الولايات المتحدة والداعمين الآخرين للمعارضة أن يسحبوا روسيا أكثر نحو أهدافها الدبلوماسية من خلال التصديق على خطتها لوقف التصعيد، ولكنهم ليسوا مضطرين أن يفعلوا ذلك بالتوافق الكلي مع الشروط الروسية. وفي ظل السعي الحميم لروسيا من أجل الحصول على مشاركة دولية في الخطة -ولا سيما المشاركة الأميركية- يمكن للولايات المتحدة وشركائها أن يدفعوا من أجل الوصول إلى تغييرات، بما في ذلك -وليس مقصورًا عليه- إضافة الولايات المتحدة والأردن بوصفهما ضامنين ليس فقط في الجنوب، بل أيضًا في المناطق الأخرى، والضغط من أجل الوصول إلى حوار مباشر وإطار عمل عمومي للسلام بين المعارضة والنظام حتى يكون وقف التصعيد أكثر قابلية للاستمرار.

على الرغم من أن روسيا دعّمت الأسد منذ بدء الحرب وبذلت جهدًا كبيرًا لمنع سقوطه، فليس من المرجح أنها ستسلم البلاد إليه. ولا يرجع السبب في هذا إلى أن روسيا ليست قادرة على تأمين انتصار شامل به، بل عوضًا عن هذا يعود السبب إلى رغبتها في الوصول إلى تسوية من خلال المفاوضات تسيطر عليها موسكو وتستمر في أن تجعل مصالح البلاد الأخرى تمكّن روسيا من تقديم نفسها قوة عظمى. تحمل المخاوف من أن موسكو تستخدم سوريا لتعزيز مكانتها مبرراتها القوية، غير أن البدائل -سواء كان انتصارًا ساحقًا للأسد أو مزيد من الأعمال العسكرية المباشرة ضد النظام عن طريق المعارضة وداعميها- سوف ينتج عنها تصعيد دراماتيكي للعنف في الصراع وسيناريو ستكون سوريا معه محطمة باستمرار. وعلى الرغم من مواطن الضعف الحالية، فيُرجح أن التماشي وفقًا للخطوط التي ترسمها اتفاقية روسيا للمنطقة الآمنة هو الطريق الوحيد الذي يمكن المضي قدمًا فيه فيما يتعلق بسوريا.

مقالات متعلقة