بحث

إجماع على رفض التدخل الروسي في سورية وتحذيرات من نتائج فشل مشاورات فيينا

بلدي نيوز – (ميار حيدر)

بعد مضي خمس سنوات على الحرب المستعرة ضد الشعب السوري الثائر ضد نظام آل الأسد، المدعوم من إيران وروسيا والصين وغيرهم، قررت موسكو أخيراً التدخل بقوة في تلك الأزمة وبكامل قوتها العسكرية الجوية والبرية والبحرية، بعد إعلان الكرملين منح الرئيس فلاديمير بوتين تفويضا بنشر قوات عسكرية في سوريا، بعد طلب الأسد مساعدة عاجلة من موسكو، كما أعربت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا عن دعمها قرار موسكو شنّ غارات جوية في سوريا ضد تنظيم "الدولة"، ووصفت هذا التدخل بـ"المعركة المقدسة".

الرئيس بوتين كان قد أعرب عن رغبة بلاده في مواجهة تنظيم "الدولة" في سوريا، داعيا لتشكيل تحالف حقيقي (سوري، عراقي، إيراني، روسي)، متهما الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب "بتغذية الإرهاب"، إلا إن الساعات الأولى للهجمات الروسية كشفت المخططات المزمع تنفيذها من خلال محاولتهم على الجيش الحر ذي الحاضنة الكبيرة بين أوساط السوريين، وتهجير بقية المدنيين الصامدين رغم مجازر الأسد.

البيت الأبيض أدان التدخل الروسي في سورية، وقال إن "تدخل روسيا في سوريا يهدد المنطقة ويعزز من الصراع ويجعله صراعا لا محدودا"، في حين طالبت السعودية روسيا بوقف ضرباتها في سورية، وقالت إنها أدت إلى سقوط ضحايا من المدنيين، كما لم تستهدف مقاتلي تنظيم الدولة الذي تقول موسكو إنها تتصدى له، وذلك في الكلمة التي ألقاها مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي، الذي أضاف "إنه لا يمكن لروسيا وإيران الحليفة الرئيسية الأخرى للأسد ادعاء محاربة "إرهاب" تنظيم الدولة، وفي الوقت نفسه مساندة النظام السوري، لأن هذا الأخير هو "الإرهاب بعينه" وفق كلمة الدبلوماسي السعودي.

تتباين التحليلات بشأن دلالات التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية ونتائجه، فمنها ما يرجعه إلى صراع خفي روسي إيراني، ومنها ما يفسره، أنه يتعلق بمحاولة روسية الحفاظ على مصالحها، بل يذهب بعضهم إلى أن الوجود الروسي المباشر على الأرض السورية قد يكون مقدمة لتقسيمها.

كما أعلنت قطر عن رفضها التدخل الروسي في سوريا، في حين أكد وزير الخارجية المصري "سامح شكري" ترحيب مصر بالعملية العسكرية الروسية في سوريا، مشيرا إلى الرغبة الروسية القوية في مكافحة الإرهاب، ومحاصرة انتشاره في سوريا.

أما تركيا فشعرت بالمزيد من الضغوط حيال التدخل العسكري الروسي في سوريا، فقد باتت تشعر بأنها في مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران في سوريا، ولعل ما يزيد من شعورها بالمرارة هو إحساسها بالطعن من قبل حلفائها الغربيين إزاء الأزمة السورية، خاصة وأن اقتراحها بإقامة منطقة أمنية عازلة لم يلق التجاوب من قبل الغرب، بحسب ما يرى مراقبين للشأن السوري.

رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية "خالد خوجة"، طالب دول أصدقاء سورية، بوقف العدوان الروسي على سورية، ووقف الغارات الجوية التي تقصف المدنيين والمشافي والمدارس والمخابز، والوقوف إلى جانب الشعب السوري في تطهير بلاده من الاحتلال الروسي الإيراني المزدوج، مشيراً إلى أن العدوان العسكري الروسي في سورية "جاء لصالح تنظيم داعش وليس ضده".

بالعودة إلى المواقف السعودية فقد أكد وزير خارجية السعودية "أن الأسد هو المغناطيس الذي يجذب المقاتلين الأجانب من جميع أنحاء العالم ليقاتلوا في صف داعش ضد نظام الأسد، بينما رأى رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أنّ أي مرحلة انتقالية بسوريا يجب أن تتمّ بعد تقديم الضمانات على رحيل الأسد".

بعد ثلاثة أسابيع من التدخل الروسي في سوريا، زار "الأسد" موسكو في أول زيارة خارجية له منذ انطلاقة شرارة الثورة السورية في مطلع عام 2011، وأشاد الأسد بالتدخل العسكري في سوريا، معتبرا أنه حال دون حدوث الأسوأ، في حين نقل الكرملين أن الأسد قال "أود أولا التعبير عن امتناني الكبير لقيادة روسيا الاتحادية جميعها للمساعدة التي تقدمها لسوريا"، أما البيت الأبيض فقد انتقد بشدة استقبال روسيا لبشار الأسد في موسكو، وقال إريك شولتز، المتحدث باسم البيت الأبيض: "نرى أن استقبال الأسد على السجاد الأحمر بعد أن استخدم الأسلحة الكيمياوية ضد شعبه يتناقض مع هدف الروس المعلن بشأن انتقال سياسي في سوريا"، من جانبها فرنسا، فقد أكدت على لسان رئيسها فرنسوا هولاند رفضها "أي عمل يعزز موقع الأسد".

من جهته قال رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو تعليقا على زيارة الأسد لموسكو "أتمنى أن يبقى هناك". ونفى داوود أوغلو تحول موقف بلاده حيال التسوية السورية، موضحا أن أي عملية سياسية في البلاد يجب أن تأتي بضمانات على رحيل الأسد.

وفي نهاية شهر تشرين الأول-أكتوبر، عقد اجتماع في "فيينا" بالنمسا، اجتماع رباعي جمع وزراء الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري والسعودي عادل الجبير والتركي فريدون سينيرلي أوغلو، تمهيدا لاجتماع موسع يضم 18 دولة، ويغيب عنه طرفا الصراع في سوريا، من جانبها نقلت رويترز عن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن الهدف من محادثات فيينا هو إطلاق حوار سياسي، بدورها أعربت واشنطن عن استعدادها للعمل مع روسيا وإيران لحل الأزمة السورية، واستبعدت في نفس الوقت تحقيق اختراق في هذه المحادثات، من جانبه اعتبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن عدم توجيه دعوة له "تعبير عن عدم جدية المشروع".

أما وزير الخارجية عادل بن أحمد الجبير خلال مؤتمر صحافي جمعه بنظيره البريطاني لوح بانسحاب المملكة من المشاورات حول مصير سورية، في حال كان الحل السياسي في سورية غائباً عن الاجتماع، مشيرا إلى أن استدعاء إيران إلى اجتماعات فيينا هو اختبار لجديتها، وألمح إلى أن فشل الاجتماع في الوصول لاتفاق سوف يدفع بالدول الصديقة للشعب السوري إلى خيارات أخرى.

ومن أبرز نقاط الصادرة عن اجتماع فيينا هي "تشكيل حكومة ذات مصداقية وتشمل الجميع وغير طائفية على أن يعقبها صياغة دستور جديد، تنظيم انتخابات جديدة تشمل جميع السوريين بمن فيهم السوريون في الشتات وجميع الاثنيات، تحسين خدمات توصيل المساعدات الإنسانية سواء إلى السوريين الذين يعيشون داخل سوريا أو أولئك الذين اضطروا للخروج من سوريا".

هذا ورحبت جامعة الدول العربية بنتائج مؤتمر فيينا الدولي، الذي انعقد بحضور وزراء خارجية 17 دولة عربية وأجنبية لبحث سبل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، واعتبر رئيس الائتلاف الوطني "خالد خوجة" أن الأمر الجوهري في تلك الاجتماعات هو الاتفاق على رحيل الأسد، فهو السبب الأساسي لما يجري في سورية من قتل وتهجير وتطرف، وتوفير بيئة ملائمة للمجموعات العابرة للحدود، وتمنى أن تخرج هذه الدول بنتائج "تؤدي إلى وقف القصف على الشعب السوري، وأن تمهد للعملية الانتقالية"، واعتبر أن إشراك إيران في محادثات فيينا أمر سلبي "فإيران منذ البداية تقف إلى جانب نظام الأسد في قصف وقتل المدنيين، وهي لا تقل خطراً عن داعش".

من جانب أخر، نفى الجيش السوري الحر أي تنسيق مع روسيا لتوجيه الطائرات الروسية، بعد إعلان قيادة الأركان الروسية استهداف مواقع لتنظيم الدولة بناء على معلومات قدمتها المعارضة السورية، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنها شكلت مجموعة عمل وتنسيق مع فصائل معارضة سورية مسلحة لتوحيد الجهود لمحاربة التنظيم، ونفت المصادر التابعة للجيش الحر عقد أي اجتماع مع الجانب الروسي بهدف التعاون بين الجانبين.

وأضافت مصادر الجيش الحر "نحن في حالة حرب مع الروس، فهم يقصفون مواقع الجيش الحر والبنى التحتية والمشافي، لكنهم يروجون الأكاذيب بأنهم ينسقون مع بعض الشخصيات التي تدّعي أنها من الجيش الحر، وأن هدف روسيا من وراء هذه التصريحات "هو بث الأكاذيب والشائعات لبث الاختلاف بين الفصائل"، وأعلنت قيادة الأركان الروسية في وقت سابق أنها شكلت مجموعة عمل وتنسيق مع فصائل معارضة سورية مسلحة لتوحيد الجهود لمحاربة تنظيم الدولة، دون أن تسمي هذه الفصائل، وخاصة مع تزايد الحديث عن اجتماعات مرتقبة مع الجانب الروسي في موسكو عبر وسائل إعلامية عربية وأجنبية.

وتبقى التحليلات حول جلسة فيينا الثالثة التي ستعقد بعد غد السبت الموافق 14 نوفمبر من الشهر الجاري، وما ستؤول إليه نتائج المشاورات، رهن اتفاق الدول المشاركة بالاجتماع على مستقبل بشار الأسد، دون حضور أي طرف سوري سواء من المعارضة أو النظام.

مقالات متعلقة