خالد خليل - إعلامي سوري
أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول (هتلر والمفتي والهولوكست)، ضجة إعلامية داخل إسرائيل وخارجها، استوجبت ردود فعل بين مستنكرة ومكذّبة وأخرى تتهمه بالتزوير التاريخي والتحريض السياسي.
اتهم نتنياهو في كلمته أمام المؤتمر الصهيوني العالمي في القدس، الأربعاء الفائت، مفتي الديار المقدسة الأسبق المرحوم "الحاج أمين الحسيني" بأنه هو من أقنع زعيم النازية "أدولف هتلر" بإبادة اليهود.
وقال نتنياهو: إن هتلر عبّر عن رغبته بطرد اليهود من أوروبا في لقاء جمعه مع المفتي الحسيني، عام 1941 في ألمانيا، إلا أن الأخير رفض الفكرة خوفاً من انتقال اليهود إلي فلسطين. عندها طلب هتلر من ضيفه المشورة "ماذا عساي أن أفعل؟". وجاء جواب المفتي "أحرقهم"، حسب ادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي.
في إشارة إلى المحرقة - الهولوكست (حرق اليهود في أفران الغاز على يد النازية إبان الحرب العالمية الثانية) الحادثة التاريخية المثيرة للجدل في تاريخ حدوثها (1939م)، أي قبل عامين كاملين من اللقاء المذكور، وعدد ضحاياها بين مبالغٍ أوصله إلى ستة ملايين إنسان؛ ومستثمرٍ للحادثة دعماً للمظلومية اليهودية لتبرير الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
هذا الاتهام الصريح لرمز فلسطيني وتشويه الحقائق التاريخية في اختلاق علاقة تجمع خصوم إسرائيل في سلة واحدة، يصبّ في خانة الاستثمار السياسي والتحريض ضد الفلسطينيين في وقت تواجه فيه إسرائيل هبة شعبية فلسطينية، يرى مراقبون أنها تنذر باندلاع انتفاضة ثالثة.
تنوعت الانتقادات وتعالت الأصوات الرافضة لهذه التصريحات ،المثيرة للجدل، واصفة إياها بالخرافة والخاطئة، ومجافاة للحقائق التاريخية في الأوساط السياسية والإعلامية والبحثية من كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وراح الكثير من الإسرائيليين يتهمون رئيس حكومتهم بمحاولة تبرئة هتلر والتشكيك بمسؤوليته عن حادثة باتت من أهم مكونات الهوية اليهودية في العصر الحديث وركيزة من ركائز "المظلومية" المتعددة التي يعتاش عليها اليهود لشرعنة قيام دولتهم.
الأمر الذي دفع نتنياهو للتوضيح: لم أكن أنوي تبرئة هتلر ولكن كنت أريد الإشارة إلى أنه قبل أن يكون هناك "احتلال" ومستوطنات كان الفلسطينيون يقومون بتحريض ممنهج لإبادة اليهود.
في المقابل جاء الرد من الألمان لتكذيب هذه الادعاءات: "نحن المسؤولون عن المحرقة"، على لسان الناطق باسم المستشارة الألمانية.
ولكن الملفت والغريب من بين هذا الردود، بعيداً عن الشد والجذب، ما نشرته صحيفة معاريف في مقال للكاتب الإسرائيلي "إيلي بارك" تحت عنوان (الآن بات الكل يعلم العلاقة النازية - الفلسطينية).
ويقول إيلي: أخطأ أم لم يخطأ؟ هذا لا يغيّر من الأمر شيئاً؟ بفضل نتنياهو بات كل من في الدولة يعلم الآن بالعلاقة التي تربط النازية بالفلسطينيين وجذور الصراع الذي سبق قيام الدولة.
ويمضي الكاتب في القول معبراً عن دهشته: رحت أفرك عيني، أمرٌ لا يصدق خلال يومين بات كل مَن في البلاد مشغول بالماضي النازي لعرب إسرائيل بحيث تحوّل إلى حديثهم اليومي وشغلهم الشاغل.
ويرى إيلي في ختام مقاله، بعدما سرى (خطاب المفتي) في كل وسائل الإعلام المحلية والدولية كما تسري النار في الهشيم، يرى إن تخليد ذكرى المحرقة وإحياء يومها لا بد إن يذكرنا بالتعاون بين عرب فلسطين والنازيين الألمان، كي لا تنسى الأجيال القادمة. لافتاً إلى أن الرغبة العربية بإبادة اليهود -على حد وصفه- لم تبدأ في عام 1967م ولا حتى في 1948م، بل قبل ذلك بكثير.
يبدو أن نتنياهو قد نجح في رمي أحجاره في المياه الراكدة، ليختلق دوائر جدل وزوابع إعلامية، تفضي لإلصاق اتهامات جديدة بالشعب الفلسطيني وتشويه صورته ونضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي. وتبرير سياسات الاحتلال لقمع أي انتفاضة لشباب فلسطين، واصفاً إياهم بالإرهابيين تارة وبالنازية تارة أخرى، مستفيداً من المناخ السائد في الشرق الأوسط القائل، إذا أردت أن تقتل وتدمّر ما عليك إلا أن تصف الضحية بالإرهاب.
وعلى هذه النغمة يتحول شرق المتوسط إلى برك من الدماء لن تجف في ظل انهيار قيم الوجود الطبيعي للإنسان، ما لم تتوقف ماكينة التدليس التي تشرعن القتل وتجعل من القاتل الحقيقي ضحية كاذبة، ومن الضحية الحقيقية قاتلاً ولو كذباً.
خرافة نتنياهو في اجترار النازية
الاثنين : 14 ديسمبر 2015
