الاتفاقيات الدولية للنظام السوري البائد.. قراءة في ضوء القانون الدولي - It's Over 9000!

الاتفاقيات الدولية للنظام السوري البائد.. قراءة في ضوء القانون الدولي

بلدي نيوز - مرهف الشهاب

عقد رأس النظام السوري البائد العديد من الاتفاقيات الدولية ولا سيما مع الدول التي ساندته ضد شعبه كروسيا وإيران والسؤال الأكثر إلحاحاً وتعقيداً الذي يشغل الساحة السورية الآن ، ما هو مصير تلك الاتفاقيات بعد أن انتصرت الثورة ؟ هل نستطيع إلغاء تلك الاتفاقيات المعقودة من قبل رأس النظام ؟ للإجابة على هذه الأسئلة ، سنوضح شروط صحة إبرام المعاهدات وفقاً لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، وإسقاط كل شرط منها على الاتفاقيات السورية.

 شروط صحة إبرام المعاهدات

الأهلية ـ الرضا – مشروعية موضوع المعاهدة

أولاً : الأهلية

 يملك أشخاص القانون الدولي العام أهلية إبرام الاتفاقيات الدولية ، ويتمتع بهذه الشخصية في الوقت الحالي ( الدول ، المنظمات الدولية ـ الفاتيكان) .

في سوريا، منح دستور عام 2012 رئيس الجمهورية سلطة مطلقة في إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية دون الحاجة إلى موافقة أي جهة داخلية ، فقد نصت المادة ١٠٧ على ما يلي " يبرم رئيس الجمهورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويلغيها وفقاً لأحكام الدستور وقواعد القانون الدولي "

ونصت المادة ٤٢ من اتفاقية فيينا على ذلك بقولها : " لا يجوز الطعن في صحة المعاهدة أو في رضا الدولة الالتزام بها إلا عن طريق إعمال هذه الاتفاقية "

" لا يجوز انقضاء المعاهدة أو إلغاؤها أو انسحاب طرف منها إلا كنتيجة لإعمال نصوص المعاهدة أو نصوص هذه الاتفاقية "

بمعنى أن إنهاء الاتفاقيات بين الدول في ظل سريان اتفاقية فيينا لا يمكن التراجع عنها بإرادة منفردة لذلك يقر الفقه بشكل عام بإلزامية تطبيق كل المعاهدة وضرورة تنفيذها فهي ملزمة بطبيعتها . وبالتالي ، فإن المعاهدات التي أبرمها النظام السوري البائد تُعد صحيحة من حيث الأهلية، ولا يمكن إبطالها استناداً إلى هذا الشرط.

ثانياً : الرضا

يشترط لصحة انعقاد المعاهدة ألا تكون إرادة الدولة مشوبة بأحد عيوب الرضا وهي : الغلط ـ التدليس ـ الإكراه

أ ـ الغلط : اصطلاح الغلط في المعاهدات الدولية له معنيان الأول : الغلط في الصياغة وإذا ظهر في المعاهدة فالإجراء في هذه الحالة تصحيح الغلط . الثاني : الغلط في الرضا فيكون عندما يتعلق بموقف أو واقعة كانا من العوامل الأساسية في ارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة وهو النوع الذي يفسد الرضا بالمعاهدة ويجيز للدولة الضحية المطالبة بإبطالها ولكن يجب أن يتوافر شرطين حتى تستند إليه الدولة بإبطال المعاهدة : ١ـأن يتعلق الغلط بحالة أو واقعة تتوهم الدولة بوجودها عند إبرام المعاهدة ٢ـأن يكون الغلط سبباً أساسياً في ارتضاء الدولة المعنية الالتزام بالمعاهدة .

سبق وأن أشارت لجنة القانون الدولي في تقريرها المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الحالات التي ادعي فيها وجود أغلاط تؤثر أساساً في صحة المعاهدات هي حالات نادرة جداً .

لذلك في مجال المعاهدات التي وقعها النظام السابق لا يتصور وقوع الغلط لأنها تتطلب مساطر خاصة ومتدخلين كثر في إبرامها فمن المستبعد وقوع الغلط فيها حين الإبرام .

ب ـ التدليس : وهو نوعان : إيجابي : يكون عندما يأتي الطرف المدلس بسلوك أو تصرف مادي إيجابي من شأنه إيقاع الطرف الآخر بالوهم والغلط مثل تقديم وثائق وخرائط مزورة وقوائم غير صحيحة .

سلبي : يكون عندما يقوم الطرف المدلس بكتمان حقائق ووقائع يوجب القانون تبيانها ونشرها .

كما يقع عبء إثبات الوقائع على عاتق الدولة التي تحتج بالتدليس فالاحتجاج بالتدليس في الاتفاقيات السورية صعب للغاية لأمرين : صعوبة إمكانية وقوعه ـ وإن وقع فهناك صعوبة في إثباته .

ج ـ الإكراه : وهو نوعان الإكراه الذي يقع على ممثل الدولة والإكراه الذي يقع على الدولة نفسها .

 إكراه ممثل الدولة : والذي من طبيعته السرية ولا يمكن لأي دولة مهما كانت قوتها وجبروتها ممارسة فعل الإكراه بشكل علني لان العلنية تحرر من وقع عليه الإكراه ، وفي الحالة السورية ما اطلعنا عليه علناً يوحي بوقوع الإكراه على ممثل الدولة وتعرضه للإذلال في مواقع متعددة كمنعه من الوقوف بجانب الرئيس الروسي وهو على الأرض السورية واستدعائه إلى القواعد العسكرية الروسية ، إضافة إلى التهديدات الكثيرة بالتغيير وغيرها من المؤشرات التي توحي بأن ممثل الدولة لا يملك إرادة الاختيار والحرية في الأمور الأقل شأناً من مواضيع الاتفاقيات ولكن كل ذلك لا ترتقي إلى مستوى الدليل القانوني على وقوع الإكراه على رأس النظام فلا نستطيع إلغاء الاتفاقيات على عيب إكراه ممثل الدولة لأن ذلك يتطلب تصريح من بشار الأسد بأنه تعرض للإكراه والتهديد أو أن تكون الدائرة المحيطة به مطلعة على واقعة تهديد أو أعمال تستشف منها الإكراه .

 الإكراه الواقع على الدولة : مما لا شك فيه أن هنالك في العلاقات الدولية طرق كثيرة تلجأ إليها الدولة القوية لممارسة الضغط على الدول الأضعف وحقيقة هذا ما حصل مع سورية سواء بالتعامل مع روسيا أو إيران فكلما أرادوا من النظام الضعيف في دمشق معاهدة تمنحهم امتيازات انتهجوا سياسة ضغط معينة فتأتي ثمارها .

إن المعاهدات التي تم توقعيها في ظل مرابطة الميليشيات الإيرانية ووجود القواعد العسكرية الروسية المستقلة عن السيادة السورية يجعل إرادة الدولة مشوبة بالإكراه مما يجعل اتفاقياتها قابلة للإبطال .

ثالثاً : مشروعية موضوع المعاهدة

يكون موضوع المعاهدة مشروعاً إذا كان يتفق مع مبادئ القانون الدولي وغير مخالف له وغير مخالف لحسن الأخلاق وميثاق الأمم المتحدة .

في الحالة السورية هل نستطيع الاستناد إليه في إبطال المعاهدات التي عقدها النظام لأنها مخالفة لمبدأ المساواة في السيادة أو لأنها أساساً مبنية على حرمان الشعب السوري من التعبير عن إرادته هذا الأمر يحتاج إلى نصوص الاتفاقيات وملاحقها التنفيذية وطريقة التفاوض وكل ما يتعلق بها وسوابق قضائية لنتبين وجهة نظر القضاء الدولي وكلاهما غير متوفر حاليا .

يوجد بند آخر ممكن الاستناد عليه في إبطال المعاهدات التي عقدها النظام السوري وهو البطلان لعلة إفساد ممثل الدولة والذي اعتقده أن هذا الأساس يصلح لقيام دعوى إبطال المعاهدات التي عقدت مع بشار الأسد عبر إفساده ومساومته على مصالح شخصية ( بقائه في الحكم ) على حساب المصلحة السورية ففي ظل محاكمة عادلة ومنطقية لتحليل الاتفاقيات وطرح سؤال ماذا استفادت سوريا من هذه الاتفاقيات ؟ وربما لا نستطيع أن نثبت ذلك بوثائق رسمية لكن مجريات الدعوى ومسارات التفاوض وغياب المصلحة العامة وحضور المصلحة الخاصة ما هو إلا دليل واضح على إفساد صاحب المصلحة الخاصة .

أما من ناحية التغيير الثوري الذي حصل فالقانون الدولي لا يقر بأي أثر على الاتفاقيات المعقودة بين الدول مهما كان حجمه أو شكله أو سببه واعتمد في ذلك قاعدة جامدة وصارمة لا تقبل الاستثناء وتطبق حتى على الدول التي حصل بها التغيير نتيجة الثورة وهذا ناتج على أن الرئيس والحكومة هم ممثلين أو وكلاء عن الدولة والدولة باقية فمن الطبيعي أن تبقى المعاهدات سارية .

في ظل التحديات التي تواجه سوريا بعد انتصار الثورة، يبقى مصير الاتفاقيات الدولية التي أبرمها النظام السابق ملفاً بالغ التعقيد. إذ تفرض قواعد القانون الدولي التزامات صارمة تجعل إلغاء تلك الاتفاقيات أمراً غير ممكن بالإرادة المنفردة، ما لم تُثبت وجود عيوب جوهرية في صحتها ، مما يفرض على القيادة الجديدة تبني نهج قانوني ودبلوماسي مدروس يستند إلى الحقائق والوثائق، لضمان استعادة السيادة السورية بشكل كامل، وإلغاء أي التزامات تمثل عبئاً على مستقبل البلاد .

مقالات ذات صلة

//